الأربعاء، 23 سبتمبر 2015

قد يأتي العيد وحيدا


دوماً يذكرني العيد بالطفولة، وكأن تلك النكهة الفريدة للفرح لا نحصل عليها إلا في طفولتنا، وفي رأيي أن ذلك الشعور كان يأتينا ممن كان حولنا ويحبّنا بصدق، فأساس الإحساس بالأشياء هو من خلال ما تشكّله من واسطة في علاقتنا وبالآخرين، وبدون تلك العلاقة لا نحسّ بطعم الأشياء، وهذا هو السرّ وراء جفاف المشاعر الذي يعتري كثير منّا.

أيّ فرحٍ كان يعترينا بثوب العيد الجديد، أعود لتخيّله الآن وأنا مستعدّ للتخلّي عن كل ثيابي وعن أعياد كثيرة مقابل أن تعود تلك الفرحة لمرّة واحدة فقط.

الثوب وحده لم يكن بالتأكيد مصدر تلك السعادة، بل من جاء به يحمله وهو يحسّ أنّه أسعد أهل الأرض لأنه سيعطيك إياه، ذلك هو مصدر السعادة الحقيقي، أما الثوب فليس سوى الوعاء الذي حمل تلك المشاعر والأحاسيس.

أين ذهب أولئك الناس الذين كانت قلوبهم ترى قبل أعينهم؟! لم تكن أعينهم تفرّق بين الحذاء الرخيص والغالي في القدم، لكنّ قلوبهم كانت تحسّ بك قبل أن تنطق. أمّا أعين أناس اليوم فتتجه للقدم في أوّل اللقاء.....فسبحان مغيّر الأحوال.

الأربعاء، 5 أغسطس 2015

ولادة يمنيّ جديد

من يتحمل مسئولية مآسي اليمن؟

لا شكّ أن المشاهد التي نراها على التلفزيون لإخواننا اليمنيين-وهي بالتأكيد لا تمثل إلا جزءً يسيراً من المأساة- تشعرك بالغضب، وتتمنى أن تمسك برقبة ذلك المجرم الذي كان سبباً بكل هذا وتعصرها بيديك حتى تجحظ عيناه ويخرج لسانه من فمه ثم يموت، ولتتأكد من موته تهزّه هزاً عنيفاً ثمّ تلقيه جثّة هامدة.
لكن من هو المتسبّب الحقيقي......هل هي إيران؟!
بالتأكيد لا.......لأنه لو لم يكن الوضع مهيئً للتغول الإيراني لما كان حدث، ولا يمكن لوم إيران على البحث عن مصالحها والتحجج بالأسس الأخلاقية، لأن سياسة إيران وغير إيران لا تعرف الأخلاق.
هل هي السعودية؟
بالتأكيد لا......السعودية تدافع عن نفسها، بل وقد تأخرت كثيراً في ذلك، وما كان الأمر يجب أن ينتظر حتى يصل التهديد للحدود.
هل هو صالح؟
أيضاً لا.......فصالح وزمرته يبحثون عن مصالحهم السياسية، والأمر يختلف لو أنّه أمسك ببندقية وقتل أو أمر بقتل، فتلك قضية جنائية. وقبل كل شيء تذكروا أنّه كما يكون الناس يكون قادتهم، فالطبقة القيادية في المجتمع هي بالضرورة نتاج للمجتمع وليست غريبة عنه.
هل هو الحوثي؟
ولا الحوثي......برغم كل الطفولة السياسية والرعونة والغباء فوضعه لا يختلف عن وضع المخلوع.

في رأيي إن الملوم الأول هو الشعب اليمني. والمشكلة تكمن ببساطة في منظومة القيم التي يتبنّاها الإنسان اليمني، والتي استطاع من خلالها صالح والحوثي وإيران العمل والسيطرة على الشعب اليمني. وبالمناسبة، ليس إخواننا اليمنيون وحدهم من يعانون من خلل في القيم، بل كلّنا وإن بدرجات مختلفة.

أتخيّل لو أن صالح أخذوه على سبيل التجربة ووضعوه حاكماً لبريطانيا أو هولندا أو سويسرا، هل تعتقدون أنه سيجد له سبيلاً في منظومة القيم التي تتبناها تلك المجتمعات؟!
أجزم أنهم سينهون التجربة سريعاً، وأنهم لن يعطوه توصية حتى لحكم قطيع بقر. وإن أردت أن تضحك فتخيّل عبد الملك الحوثي يلقي إحدى خطبه في البرلمان البريطاني......أجزم بأنهم لن يجيزوه حتى كمهرج.
في أول بداية العمليات العسكرية ورؤيتنا لأولى المشاهد قال أحد الإخوة بعفوية  "أنظروا لهذا اليمني.....إنه حتى لا يملك حذاء، ومع هذا يملك بندقية ويقاتل."
فعلاً......لقد فضّل شراء السلاح على شراء الحذاء، فضّل أداة الموت على أداة الحياة، هذا مجرد مثال من القيم السائدة. ولعل حادثة علي عزت-الرئيس البوسني الراحل-الشهيرة تعطينا مثال أوضح، فحين جاء لصلاة الجمعة متأخراً أفسح له الناس حتى أوصلوه للصف الأول، عندها التفت وقال بغضب "هكذا تصنعون طواغيتكم".
من رأى الشباب اليمني خلال ثورة الربيع العربي لا يخامره شك أن هناك يمني جديد يولد، يمني يحمل قيماً أخرى غير التي أتت بصالح وزمرته وعساكره وشرطته، لكنهم استطاعوا تأخير الولادة، ولعل هذه الهزة العنيفة تدفع بالمولود للخروج. سينظر اليمني حينها لذاته وللمستقبل بمنظور آخر، وسيحلم بيمنيّ جديد، يتبنى قيماً أجمل، وسيبدو لنا حينها حتى أبهى من الصورة العزيزة التي طبعها التاريخ في أذهاننا.


الثلاثاء، 28 يوليو 2015

ليتني سائق تاكسي في تايلاند



سعيد.....سائق تاكسي عماني، مكانه المعتاد تحت المظلات المقابلة لمنفذ هيلي الحدودي، عادةً ستراه هناك يلعب الورقة مع زملاء المهنة في انتظار الزبائن العابرين للحدود من الجانب الإماراتي. قبل شهر كنت تستطيع تمييز سعيد بسهولة عن غيره من أصحاب المهنة بسبب العمامة التي كان يرتديها، فقد نقش عليها علامة شركة المرسيدس بحجم كبير، وهو يحرص على إبراز هذه العلامة في المقدمة وفوق جبهته مباشرة........أمّا الآن فلم يعد سعيد يرتدي تلك العمامة.
قبل شهر سافر سعيد كمرافق لأحد أقربائه إلى تايلاند بغرض العلاج، وهي كانت المرة الأولى التي يسافر فيها، كما أنها كانت المرة الأولى التي يجد نفسه في مكان الزبون بدل سائق التاكسي........وهنا يحكي سعيد لي عن تجربته فيقول:
يا أخي......ماذا أقول لك!....لا أريد القول أننا زبالة، لكن واقعنا قريب من هذا. أنا أتكلم عن كثير من سيارات الأجرة بالطبع، تصوّر أنّي طوال فترة مكوثي هناك لم أركب تاكسي به رائحة غازات.
....لا تضحك........
أحلف لك أني أستطيع تمييز سيارات زملائي وأنا مغمض العينين اعتماداً على رائحة غازاتهم المتعطّنة بداخلها.
هل تتصوّر أني في تايلاند تمنّيت أن يحاول سائق تاكسي أن يستغفلنا!!!، كنت سأشعر ببعض العزاء، لأني فعلاً كنت أقارن نفسي بهم.
هناك لن تجد سيارة أجرة قذرة، وإن لم تكن رائحتها معطرة فلن تكون هناك رائحة سيئة، وقبل ذلك سترى السائق نفسه نظيفاً مهندماً، ولن تسمعه يسب ويشتم أو يزاحم الآخرين. وأما الأجرة وهي الأهم بالنسبة له فيقررها عداد الأجرة ولن يجادل فيها، وأمّا إن أردت أن تزيده فوق القيمة التي يقررها العداد فذلك راجع لك.
كل ذلك كان مهماً، لكن الأهم هو الثقة التي كنت أحسّها تجاه سائقي التاكسي، فلا خوف ينتابك منهم ولا ترغب بالتقيؤ بمجرد ركوبك، ولا يهم من أنت سواء كنت رجلاً أم امرأة، فعادة لا يكلمك السائق حتى يوصلك للوجهة المقصودة. وتمنّيت من كل قلبي أن أجد ذلك الإحساس تجاهي هنا.
بالمناسبة......ركوب امرأة مع سائق التاكسي هنا قصة لوحدها، ولا بأس علي الآن أن أخبرك ببعض الأسرار.
أنا مثلاً كنت أكتب رقم هاتفي على وسائد الرأس ليراها من يركب بالخلف، وإذا ركبت معي امرأة أتفحصها في المرآة ثم أحاول جرّها بالحديث بالسؤال عن زوجها.......وفي النهاية إن وجدت منها صدوداً فلا أقل من أن أطلب منها مبلغاً زائداً وهي غالباً لن تجادل.

لا أفهم الآن كيف كنت أعارض تركيب عداد لسيارات الأجرة، وأتعجب كيف نحن غافلون عن فائدة وجود شركات متخصصة تدير سيارات الأجرة، فالمكاسب في وجود إدارة جيدة وسيارات نظيفة وقوانين منظمة كبيرة ولا تقارن بالواقع الحالي......ليتني كنت سائق تاكسي في تايلاند.
أول شيء فعلته حين عودتي من تايلاند هو أنّي تخلصت من تلك العمامة التي تحمل شعار المرسيدس، لقد اكتشفت أنها قبيحة للغاية.
انتهى كلام سعيد.
أنا نفسي كنت قبل أشهر في مسقط مقيماً في أحد الفنادق في الخوير، وحين طلبت من موظف الاستقبال أن يستدعي لي سيارة أجرة لتقلني للمطار قال لي بالحرف الواحد "سامحني....من الأفضل أن تذهب بنفسك للبحث عن سيارة أجرة، لأنهم كثيراً ما يفاجئوننا بالأسعار، فمن الممكن أن يطلب ريالين، وكذلك من الممكن أن يطلب عشرين ريالاً"
القصة الأخرى أخبرني بها أحد الإخوة السوريين، وهي أن قريبه جاء بسيارة أجرة من مطار مسقط إلى البريمي ودفع لسائق الأجرة مئة وخمسين ريالا.......تصوروا.....مئة وخمسين ريالاً.


كيف يمكن أن ينشط أي قطاع وهو بهذه الحالة، ولا أقبل القول القائل أنهم هم أنفسهم يعارضون أي تغيير، فحتى الطفل يبكي بحرقة حين نعطيه الدواء......ومع ذلك يتوجب علينا أن نعطيه الدواء.

الاثنين، 27 يوليو 2015

المخدّر الأكثر شيوعاً


المخدّر يغتال العقل، وليس هناك ما يغتال العقل اليوم أكثر من التلفزيون وتوابعه من إعلام يخلو من القيم.
أخبرني أحد المشايخ يقول: جاءني رجل يستفتيني في أمر، وبعد أن أعطيته الجواب أنكر علي وقال كلامك خاطئ يا شيخ، ولمّا طلبت منه التوضيح أكثر أخبرني أنّه استمع لفتوى مغايرة من الشيخ أحمد بن حنبل نفسه في أحد المسلسلات التلفزيونية!!!......
هذه قناعات رجل قد جاوز الأربعين عاماً، لكنّه قضاها كلّها يتعاطى من مخدّرات التلفزيون، فلا نستغرب أن يأخذ دينه من المسلسلات.
إليكم المثال الثاني، وهذا موقف عادي من مواقف كثيرة قد حصل لي قبل مدّة بسيطة، ورغم بساطته إلا أنّه يبين كيف هي حال المدمنين.
التقيت بأحدهم في مجلس، ودار حديث عابر حول جماعة الإخوان المسلمين، قال صاحبنا "أمير قطر مؤيد للإخوان، حتى أنّه جاء بعزمي بشارة وجعله مستشاراً له"
على حدّ علمي عزمي بشارة ليس مسلماً حتى ناهيك أن يكون من جماعة الإخوان، ولمّا صدمته بهذه المعلومة لم يدرِ ما يقول ولم يحاول حتى تمحيص هذه المعلومة معي لأنه غير متعوّد على التمحيص، إنما تعوّد على الاستماع فقط.
حقاً يصيبني العجب من رجال يبدون في غاية الاتزان ثم تسمع منهم ما يبدو شديد التفاهة وخال من أي موضوعية، وحتى بعض الحق الذي ينطقون به إنما ينطقون به عن جهل، ولشدّة ما هم مدمنون لا يجدي معهم أي نقاش، ولربما كان الاستماع لهم بصمت خير وأجدى، لأنك إن قلت شيئاً لا يوافق عالم المدمنين فقد تتهم بسوء.
غير مرّة اتهمت بأنّي مناصر للإخوان لأني حاولت التوضيح أن الإخوان ليسوا شيعة، ومؤخراً اتهمني أحد الإخوة بأني مناصر للدواعش لأني نفيت أن الدواعش منعوا صلاة التراويح.
ليس مطلوباً من الانسان أن يفهم كل شيء، لكنه أيضاً ليس مضطراً لتسليم أذنه وعقله للآخرين، وأحياناً يحصل ذلك في غاية السذاجة والتفاهة، كما يحدث من بعض الشخصيات العامة التي تروج لأشياء بأسلوب يستخف ويستحقر المتلقي ومع ذلك يجد من يستمع له.
كن على يقين بأن ليس هناك إعلام نزيه متجرّد، ولربّما تجد من يثق بمؤسسات مهنية وعريقة كمؤسسة البي بي سي، لكن حتى على هذا المستوى ليست هناك أمانة مطلقة، فالبي بي سي العربية مثلاً جزء من ميزانيتها يأتي من جهات حكومية بريطانية تحاول التأثير في مجريات الأمور كوزارة الخارجية.
الأكثر تفاهة من التلفزيون هو هذا المهرج الجديد، "الواتساب"، هذا الذي يقفز بين يديك في كل لحظة ليخبرك بما يجب عليك أن تعرف وكيف عليك أن تفكّر.
يخبرني أحد أساتذة الجامعة أن أكبر مشكلة تواجهه هي جعل الطلبة يقرأون. سبحان الله.....إسمه طالب علم ولا يريد أن يقرأ. والمشكلة كما يقول الأستاذ الجامعي أن الطلبة تشربوا بثقافة الواتساب، فهم يريدون نصوصاً كالتي تأتيهم عبر الواتساب، أسطر قليلة وبلغة تافهة.
هجر الناس القراءة، وغدت أمراً عسيراً جداً، والنتيجة عقول غير قادرة على تكوين رأي أو التفكير في أي شيء.
إلى أين سنصل برأيكم؟

الأربعاء، 8 يوليو 2015

الصراصير سببها الوافدين



صاحبي يشتكي من كثرة الصراصير في المنزل، وبعد طول تفكّر وتدبّر اكتشف سرّ تكاثرها وتوالدها......إنهم الوافدون، تخيّلوا كيف أننا لم ننتبه لهذا الأمر طوال الزمن مع أننا أحياناً نلاحظ تكاثرها في هذا الوقت.
صاحبي يقول "إنهم هؤلاء الوافدون سبب وجود الصراصير، لأنهم يسكبون الزيت في المجاري، والصراصير تتغذى على الزيت، فتبيض وتتكاثر، هم لا يهمهم، أمّا نحن فلا نستطيع التعايش معها".
لا أعرف كيف نسي هذا الصديق أنه مرّ زمان عليه وعلى أسلافه حين كانت الصراصير والنمل تشاركهم صحن التمر، وقد لا ينكر أحدهم أن حشرة ما التصقت بالتمرة التي يضعها في فمه حتى يحس بالطعم الحامض فيقول "يبدو أني أكلت شيئاً مع التمرة".
الآن لو اتصلنا بالرئيس الأمريكي السابق "جورج بوش" لأقسم أن الصراصير هي خلايا نائمة للقاعدة. أما الرئيس الحالي "أوباما" فستكون له وجهة نظر مغايرة، وسيرجح أنها صراصير دواعش......وإذا أردتم وجهة نظر ثالثة فيمكنكم استشارة الرئيس المصري، وأنا متأكد أن إجابته ستكون جاهزة.
إنها طبيعة البشر، البحث عن عدو لإلقاء اللوم عليه، ولربما كان الأجدر أننا حين نصاب بعدوى جرثومية مثلاً أن نتفكّر في كون أجسامنا قابلة للإصابة بالعدوى، فتلك هي المشكلة الأساس، أما الجراثيم فهي تصيب لأنها طبيعتها وفطرتها، ولا مانع من مقاومتها بعد ذلك.

ولو أن المجاري في بيت صاحبي غير قابلة لتوالد الصراصير لما حصلت المشكلة، ولن يفيده الآن أن يتهم الوافدين أو الدواعش أو القاعدة ولا حتى الإخوان. ولن يفيده أيضاً قتل الأعداد الهائلة منها بالسموم والأدوية ما دامت البيوض باقية بالأسفل، ما سينفعه هو أن يصلح نظام المجاري المتهالك.

السبت، 20 يونيو 2015

خير تعمل .....شرّ تلقى

خير تعمل، شر تلقى!

علي......شاب عشريني، لطيف ووسيم، وحسن الهندام، حضوره يبعث البهجة في أي مجلس يحضره، وهو مرحب به دوماً في كل مكان، ويتسابق الجميع للكلام معه واستظهار ما تكنه نفسه من حكايات وأفكار تبعث الابتسامات والضحكات.
علي ليس مختل عقلياً.....أبداً.....إنما مستوى ذكاءه منخفض، ويتصرف بحسن نيّة أقل ما يقال عنها أنها ساذجة، كما أنّه تقريباً يصدّق معظم ما يقال له.
اعتدت أن ألتقي بعلي في أماكن كثيرة، عند الحلّاق مثلاً، فهو شديد الاهتمام بمظهره، ويتعمّد أن يدخل لمحل الحلاقة إن رأى أحداً يعرفه طمعاً في أن يدفع عنه أجرة الحلاقة. أحياناً يأتي للمكتب، وبأدب شديد يدّعي أنه بحاجة لأجرة التاكسي ليذهب للبيت، والجميع يعرف أنه ينفق المال على المشروبات الغازية والحلويات التي يعشقها بجنون.
المزحة المعتادة التي كنت أمزحها مع علي هي مزحة الزواج، كنت سألته مرّة......متى ستتزوج يا علي؟
وأجابني ببراءة وهو يتظاهر بأنه يسر لي بالكلام

-لو بودّي تزوجت اليوم، لكن كما تعرف ليس لدي مال، لو كان أبي أو أمي حيّان لكانا ساعداني......هذه حال من ليس له أحد.

-يمكنك أن تتزوج من الخارج يا علي، وستكون التكلفة قليلة.

-حاولت استخراج ترخيص للزواج من الخارج، لكن الجهات الحكومية اشترطت علي وجود كفيل يتعهد بإعالتي أنا وزوجتي، فأنا لا أعمل كما تعرف.

دارت الأيام، وجاءني مرّة علي للمكتب، جلس أمامي وهو يكاد لا يستطيع أن يستقر على الكرسي والابتسامات تتطاير منه مع أنفاسه. عندما خلا الجو لنا اقترب مني وأسر لي .....

-سالم.....لقد تزوجت.....تزوجت أخيراً.....والله العظيم تزوجت من فتاة اندونيسية، وهي جميلة جداً جداً.....

-ما شاء الله.....بالبركة. ومن تكفل لك أمام الجهات الرسمية بالنفقة، أخوك؟!.

-لا ليس أخي، إنه لا يعبأ بي أبداً، ولطالما حاول طردي من البيت الذي ورثناه عن أبي. ابن جيراننا سعيد هو من ساعدني ووقع ورقة الكفالة.

-وأين تسكن أنت وزوجتك الآن؟

-أنا مازلت أسكن في بيتنا القديم، أما زوجتي فقد استأجر لها سعيد شقّة جديدة ويقوم هو بكل احتياجاتها، وأحياناً يأخذني لزيارتها.
لعلكم فهمتم الآن كما فهمت أنا أي استغلال وقع على المسكين علي، أنا أصبت بالصدمة، ومع ذلك لم أستطع أن أشرح له الأمر. فكّرت كيف يمكنني أن أساعده وأنقذه من براث ذلك المحتال سعيد. في المساء مررت متعمداً بالحلاق القريب من بيتهم فوجدته عند الباب، تلطفت معه واشتريت له ما أراد من البقالة المجاورة وأخذته في جولة بالسيارة لأفاتحه بالموضوع

-علي.....أرجو أن تركّز معي، هذه الزوجة التي أتى بها لك سعيد لا تصلح لك.

-لا تصلح لي!!! لماذا؟ إنها طيبة معي، وحين يأخذني سعيد لزيارتها تعطيني خمسة ريالات......أنت الآن تقول مثل كلام أخي، لماذا كلكم تريدون أيذائي ومضايقتي؟.

-لا يا علي، أنا لا أريد مضايقتك، أنا فقط كنت أتمنى أن تتزوج بفتاة جميلة، هل تعرف يا علي أن الأوكرانيات مشهورات بالجمال!!!. أنا مستعد أن أدبر لك عروساً أوكرانية وأن أوقع لك على الكفالة، وأيضاً سأستأجر الشقة وأثثها، وسآخذك لزيارة نتاشا كل أسبوع........ما رأيك؟!.

-من هي نتاشا؟!

-إنها الفتاة الأوكرانية....زوجتك المستقبلية....انظر لصورتها في الهاتف، أترى كم هي جميلة؟!

-ووووووووو.....ووووو......ولماذا سعيد لم يأتِ لي بمثل هذا الشيء العجيب؟!.

-سعيد نظرته ضيقة وعلى المستوى الآسيوي فقط، أما أنت فتستحق أن توسع آفاقك لتشمل أقاصي العالم. ما أريده منك الآن أن تطلق تلك الأندونيسية التي جاء بها سعيد وتخبره أنك لست بحاجة لكفالته. وخلال شهر أعدك أن زوجتك نتاشا ستكون هنا، وستنام أنت في بيتك مرتاحاً وأنا سأقوم بكل مهماتك وعلى أتم وجه.

في الغد جاءني علي للمكتب ووجهه قد تغيّر، سألته عمّا يكدره فقال

-تصور.....تصور أن سعيد رفض أن أطلق الاندونيسية، وقال لي أني يجب أن أدفع له قيمة التذاكر والأثاث وإيجار الشقة للمدة الماضية، وأنا لا أملك أي مال.

-لا تقلق أخي علي، أنا سأعطيك المال وادفع له. وعلى كل حال نحن سنحتاج الشقة، زوجتك نتاشا ستصل بعد شهر على أكثر تقدير.

أتممنا إجراءات الترخيص من وزارة الداخلية، وبعثنا التأشيرة لنتاشا. وصلت نتاشا للمطار وكنّا في استقبالها أنا وعلي.
لم أكن أصدق نفسي أن نتاشا أخيراً هنا، وأيضاً حللت مشكلة علي وخلّصته من ذلك المحتال سعيد. 
أوصلت علي لبيته وأخذت نتاشا للشقة، تركتها لترتاح من عناء الرحلة واتفقنا على اللقاء في الغد لنمضي وقتاً سعيداً.......ولم أكن حينها أعرف ما يخبئ لي الغد.
في الصباح، وبمجرد دخولي للمكتب جاءني اتصال من رقم هاتف غريب، وحين أجبت أخبرني أنه من مكتب المدعي العام وأن حضوري مطلوب بشكل فوري.
ذهبت لمكتب المدّعي العام وأنا كلّي عجب وتعجب مما قد يكون السبب من استدعائي. انتظرت لبضع دقائق حتى أدخلوني على ممثل الادعاء، وبكل برود أخذ يخبرني أن علي الذي أحضرت له زوجته البارحة قد اشتكى من أني أتعرض بالمضايقة لزوجته، وأني أيضاً أتردد بقرب شقته.

أسقط في يديّ، ولم تفلح محاولتي إخبار ممثل الادعاء أني أنا من يكفله في زواجه وأني أنا من أحضرت نتاشا، ولم يكن يقنعه إلا شيء واحد. إما التوقيع على تعهد بعدم الاتصال أو الاقتراب من علي وزوجته وشقتهما أو أن تأخذ القضية مسارها للمحكمة. وقعت التعهد مجبراً، وخرجت وأنا أردد المثل القائل "يا فاعل خير يا لاقي شر".

وتدور الأيام، وإذا بي ذات صباح أدخل لمكتب مدير دائرتنا لأجد علي بقربه وهو يسرّ له بشيء ما، وبعدها قال المدير لعلي "لا تقلق أخي علي، أنا سأتكفل بكل ما يطلبه سعيد.....اذهب أنت الآن وسنلتقي لاحقاً".
بالطبع فهمتم أي استغلال ينتظر المدير، لكنّي لم أكن أستطيع أن أفعل شيئاً، ويكفيني أن علي في كل مرة يستخدم حكاية سعيد ويستر على أسماء ضحاياه الحقيقيين، وأنا آخرهم.

الجمعة، 12 يونيو 2015

حقنة شرجية

قيصر....هو العامل الباكستاني الجديد الذي أحضرته للمزرعة. فرحت به لما رأيت من اجتهاده في العمل والعناية بالمزروعات والبهائم. ولست أدري الآن، أهي عين أصابته أم فرحتي به هي ما جنى عليه.
الموضوع باختصار أن محصول السنة من التين الشوكي جيّد جداً، ويبدو أن قيصر يرى التين الشوكي لأول مرّة، ولايعرف أن الإكثار منه قد يؤدي لعواقب وخيمة. المهم....قبل أمس قطفنا كميّة كبيرة، وكان يفترض بقيصر أن يرصّها في الصناديق خلال المساء استعداداً لتسويقها في الصباح. ما كان يفعله قيصر أثناء رصّ المحصول في الصناديق أنّه كان يلتهم ما يستطيبه منها، ولكم أن تتصوروا كم التهم قيصر خلال تعبئته لخمسين صندوقاً.....لم يكتفِ بذلك، بل أخذ ما زاد من الثمار لجاره عامل المزرعة المجاورة والتهماه معاً.
اتصل بي قيصر في الرابعة صباحاً وهو يئن ويتأوه. حقاً اعتقدت أنّ أحداً هاجمه وطعنه بسكين من كثرة تأوهه. عندما وصلته وجدته مستلقيٍ على ظهره وبطنه منتفخه، كان بالكاد يجرّ نفسه. أخافني منظره كثيراً، وتذكّرت يوم لدغت أفعى إحدى البقرات فأصبحت منتفخة مثل قيصر. جثوت بجانبه وأنا أسأله بلهفة
-قيصر.....ماذا حصل؟ هل لدغتك أفعى؟
-لا....لا....لا أدري، لم أستطع النوم من ألم بطني، أحسّ برغبة شديدة للذهاب للحمام لكنّي كلّما ذهبت لا يخرج شيء. والآن كما ترى بطني انتفخت.
كان يتكلم ولا أرى من عينيه إلا البياض، أدركت أنه سيهلك لا محالة. من لطف الله به أنّي لمحت بقايا التين الشوكي الذي التهمه عند الباب. حينها فقط عرفت ما حصل....قلت له
-قيصر....هل أكلت كثيراً من هذا؟
-نعم....ليس كثيراً كثيراً....ربّما أكلت كثيراً لا أعرف.
-يا مجنون، لابد أن الحبيبات الآن ملتصقة ببعضها وتسدّ كل أمعائك، ماذا أفعل معك الآن.
لحسن الحظ أعرف أحد الإخوة الأطباء، فلسطيني لديه عيادة خاصة، وما جاء به لمخيلتي حينها أنّه كان يوماً ما أخبرني أن هذه المشكلة شائعة في فلسطين بسبب كثرة محصول التين الشوكي هناك. اتصلت به
-صباح الخير دكتور رياض. آسف لإزعاجك لكنه أمر طارئ.
-تفضّل، ماذا هناك؟
-عامل المزرعة أكل كمية كبيرة من التين الشوكي، ويبدو أن أمعاءه مسدودة بالكامل.....بطنه منتفخة ويصرخ من الألم. ماذا أفعل به؟.
-هههههه....اطمئن، لن يموت، وعلاجه بسيط. اسمع....علاجه الوحيد هو حقنة شرجية بالشامبو. عليك أن تخلط كمية كبيرة من الشامبو والماء وتضخها فيه من فتحة الشرج. بعدها اطلب منه أن يمشي قليلاً، وإن لم ينطلق بطنه فاذهب به فوراً للطوارئ وسيتصرفون معه بسهولة.
حاولت التصرف بسرعة وبما تيسر من امكانات. لحسن الحظ وجدت عبوة شامبو مملوءة لدى قيصر، أفرغتها في دلو كبير ثم ملأته بالماء. أحضرت مضخة الديزل اليدوية ووصلتها بأنبوب له نهاية مطاطية ضيّقة قدّرت أنها ستدخل في شرج قيصر بسهولة ان دهنتها بالفازلين، والجيّد أن النهاية المطاطية عبارة عن صمّام في اتجاه واحد يمنع عودة السائل.
قلبت قيصر على جنبه وأنزلت سرواله، دهنت الأنبوب بالفازلين وأدخلت طرفه في شرجه. صرخ المسكين وتأوه، لكنّه استسلم بعد ذلك. بدأت بضخ الماء المخلوط بالشامبو من الدلو لأمعاء قيصر وهو يأن مع كل دفقة أضخها فيه. عندما انتهيت من ضخ كامل الدلو وسحبت الأنبوب منه كان كأنه مغماً عليه. كان فمه مفتوحاً وعيناه مبيضتان. حاولت جهدي معه لينهض ويمشي ولو لبضع خطوات، لعلّ أمعاءه تتحرك قليلاً.
أخيراً نجحت، وتحامل المسكين على نفسه وقام على رجليه. لاحظت أن بطنه انتفخت كثيراً وهيء لي أنها ستنفجر في أي لحظة. بعد أن مشى بضع خطوات حدث شيء أخافني عليه بشدّة، لقد بدأت الرغوة تخرج من فمه وأنفه. أيقنت حينها أن أمعاءه منعقدة بالكامل ولن تنفتح بشكل طبيعي ولا مناص من أخذه للمستشفى. أخذت أجره كالثور حتى ألقيته على المقعد الخلفي للسيارة وانطلقت لطوارئ المستشفى.
وصلت المستشفى مع إشراقة الشمس، وحين أدخل قيصر ورآه الطبيب أصيب بالفزع من انتفاخ بطنه. وعندما أخبرته بما حدث طلب تجهيز غرفة عمليات الطوارئ بسرعة. استعدادا للدخول لغرفة العمليات كان قيصر على النقالة في صالة الطوارئ، طلب الطبيب من أحد الممرضين أن ينزل سروال قيصر ليفحصه فحصاً مبدئياً. وهو ينظر صرخ فجأة.....اقتربت لأرى لما ينظر....قال لي
-ما هذا!!!....هناك شيء يسدّ فتحة شرج المسكين....شيء أسود كالمطاط.
لقد كانت نهاية الانبوب المطاطية، يبدو أنها بقيت هناك ولم أنتبه لها.....مدّ الطبيب يده وأمسك يطرفها.....وسحبها بشكل مفاجئ.....ولا أراكم الله ماذا حصل بعد ذلك.
الانفجار الأولي نجم عنه إصابات في وجه الطبيب، وأظن أن بعض الحبيبات التي كانت قريبة من الفوهة أصابت عينيه. تلا ذلك انفجارات متعددة أسفرت عن إصابة معظم جدران قاعة الطوارئ بالحبيبات والشظايا المتطايرة. من شدّة القذف اندفع السرير على دوالبه بشكل دائري مما جعل الحبيبات تصل لطاولة الاستقبال حيث أصيبت ممرضتان. الصراخ والجلبة دفعت برجال الأمن المتواجدين على البوابة للاسراع لقسم الطوارئ، وصوت حبيبات التين المتطايرة واصطدامها بالجدار لم يترك لهم مجالاً إلا الانبطاح أرضاً .....كل هذا وأنا مختبئ تحت سرير قيصر، ولذلك لم أصب بأي شيئ.
حين توقّف اطلاق التين رفعت رأسي فإذا بوجه قيصر قد عادت له الحياة، تعجّلته لينزل من على السرير ولنغادر أرض المعركة وإلا يعلم الله ما قد يحدث لنا، وتمكنّا من ذلك ولله الحمد.....ولعلّ قيصر قد تعلّم درساً عظيماً.

حلاقة وزواج على منفذ هيلي الحدودي

حلاقة وزواج على منفذ هيلي الحدودي


كنت عائداً من مدينة العين بالامارات لمدينة البريمي بعمان بعد صلاة المغرب، وأحسست بضيق شديد حين وجدت أمامي صفاً طويلاً من السيارات. كعادتي أخذت المسار الأيمن لأتحاشى مضايقات "لصوص الدور" الذين يحاولون اختراق الصف بالقرب من المنفذ دون أقل احترام لغيرهم ممن قضوا وقتاً طويلاً يعانون الانتظار. بمعادلي في الصف الأيسر سيارة صغيرة بيضاء، وبرغم أني عادة لا ألتفت إلا أنّي من طرف عيني لاحظت أن السائق يقوم بحركات غريبة، قاومت فضولي في البداية، ولمّا لم استطع المقاومة أكثر تظاهرت أنّي أنظر لصف السيارات خلفي لأسترق نظرة سريعة. لكن النظرة لم تكن سريعة، بل تحوّل الأمر لدهشة ومتابعة للأحداث.

أول ما رأيت من الشخص الذي يقود السيارة أنّه كان يمسك بملقط وينتف الشعر الزائد من أنفه وهو ينظر في مرآة الشمسية. وبعد شعر الأنف جاء دور شعر الوجنتين. كان يضغط بلسانه على باطن خدّه بمهارة عجيبة حتى لكأنه يرفعه بقضيب حديدي.
استمر في ذلك لفترة، وصف السيارات كان بالكاد يتحرّك، وأنا لم أستطع كبح نفسي عن متابعة حركاته العجيبة بالرغم من أنه انتبه أكثر من مرّه أنّي أراقبه.

لم يكتفِ أخانا بالنتف، بل فاجئني بإخراج حقيبة سوداء وضعها بجانب المقود، وعندما فتحها تبيّن أنها عدّة حلاقة. وفيما هو يخرج آلة الحلاقة نظر لي مبتسماً وأشار بيده لصف السيارات التي أمامه وكأنه يقول لي "مازال أمامنا وقت طويل".
تفحّص رأس آلة الحلاقة ونفخ فيه عدّة مرات، ثم أخذ يتلفّت يبحث عن شيء ما، مدّ يديه يتلمّس المقعد الخلفي، فتح الصندوق الذي بين المقعدين الأماميين وعليه أمارات الضّيق فلم يجد ما يبحث عنه. نظر لي وفتح نافذته، عرفت أنه يريد أن يقول شيئاً ففتحت نافذتي بدوري...قال

-هل لديك فوطة صغيرة أو أي شيء يمكن أن أستخدمه؟.

في الحقيقة طلبه أصابني بالدوار، لكن جدّية ملامحه أجبرتني على التعاطي مع الطلب بجدّية. تذكّرت أنّي أحتفظ بفوطة مع عدّة الرحلات في السيارة، ولأن صفّ السيارات لم يكن يتحّرك فقد كان سهلاً علي النزول وإخراج الفوطة.
أعطيته إياها من النافذة وسألته إن كان بحاجة شيء آخر

-هل تحتاج شيئاً آخر؟، لدي عدّة رحلات متكاملة.

-إن توفّر لديك كريم مرطّب وعطر ما بعد الحلاقة فسيكون ذلك رائعاً.

أعطيته ما طلب وأخبرته أن يعتبر الأشياء هدية له. وأثناء الطريق تبادلنا الحديث، سألته

-مالذي يجبرك على الحلاقة في السيارة، يمكنك الإنتظار حتى تصل للبيت.

-في الحقيقة أنا ذاهب لزيارة خطيبتي، وبسبب ظروف العمل وازدحام المنفذ لا أجد الوقت الكافي. لكن هل تتخيّل أني تعرفت على خطيبتي هنا في المنفذ!!!.

-هل أنت تقول الحقيقة؟!

-نعم......التقيتها هنا. هي مثلي من العابرين. وتصادف مرّة أن كان الزحام شديداً، وكنت أنا أتضوّر جوعاً، وكانت هي تقف بسيارتها بجانبي وبيدها شطيرة. رأتني فعرفت من نظراتي أنّي جائع وأعطتني من طعامها......فكان الزحام سبباً في المحبّة.

-ما دمت تزوجت من المنفذ، وأكلت منه، فلا عجب أن تحلق ذقنك فيه.

ودّعت الرجل عندما اقتربنا من حجيرات التدقيق على الجوازات وأنا في عجب مما قد يحدثه من تغيير في حياة الناس أمر مثل ازدحام منفذ حدودي.