الجمعة، 30 نوفمبر 2012

حول الإساءة للسلطان



الإساءة للسلطان

إن الإساءة للسلطان "قابوس" من قبل عمانيين ليس شيئاً عادياً يحدث دون أن نقف ونتفكّر فيه ونتعبّر. وبعد ان انتهى الأمر كما انتهى عليه نستطيع الآن أن نعود له بأعصاب باردة ونحاول أن نتبين الأسباب التي دفعت ببعض إخواننا للقيام بأفعال بدت صادمة للكثيرين ناهيك عن أنها مخالفة للقانون المعروف للجميع في هذه النقطة بالذات وهي "ذات السلطان مصانة".

من هو السلطان "قابوس" بالنسبة لعمان اليوم
عمان اليوم، ومنذ عام 1970 لا يمكن فصلها عن صورة السلطان قابوس، هذه المرحلة الزمنية من عمر عمان طبعت بهوية هذا الرجل، ونحن أيضاً بالضرورة اكتسبنا تلك الهوية وتشربت ذاكرتنا كعمانيين بصورة عمان ممتزجة بصورته، وأصبح احترامه من القيم الإجتماعية الأساسية التي بني عليها وعينا قبل أن نسمع عن قانون "ذات السلطان مصانة"......من هنا أريد أن أنطلق للنقطة التالية.

دشداشة النوم
"دشداشة النوم" تلك التي يرتديها كثير من شبابنا اليوم خارج البيوت وأحياناً تجدهم يضعون معها العمامة وهي بذلك خارجة بالتأكيد عن سياق النوم والراحة. سعرها لا يختلف كثيراً عن سعر الدشداشة العادية، ومعظم من يلبسونها هم ليسوا من الطبقة الغنية، فهم بذلك تحمّلوا عبئاً إضافياً....... لماذا يفعلون ذلك ياترى؟!.......في الحقيقة "دشداشة النوم" ليست سوى "مظاهرة صامتة" ضد الدشداشة الرسمية المرتبطة بالهوية العمانية.
دشداشة النوم ليست المظهر الوحيد للاحتجاج ، سبقها استعارة الكلمات والتعابير الخليجية والعربية لتحل محل العمانية، وسبق ذلك أسماء المواليد الغريبة العجيبة حتى أن الجدّة أصبحت لا تحسن نطق اسم حفيدها. العلامة الأبرز في هذا المجال هو الشعر وهم الشعراء أو الترمومتر الحساس للمجتمع. أذكر أني قرأت شعراً لأحد شعرائنا وكنت أحسبه لشاعر سعودي.......تلك مظاهرة أخرى ضد المجتمع.

مع استخفاف البعض بتلك المظاهر إلا أن لها معان عميقة وغالباً ما تصدر عن أفراد يشعرون أنهم لا ينتفعون كغيرهم من موارد المجتمع. بتعبير أبسط هي مظاهر احتجاج من طبقة المجتمع المتدنية ضد الطبقة الغنية.

في السياق السابق أستطيع أن أفهم الإساءة للسلطان، إنها احتجاج بصوت عالي ضد تلك الطبقة المتمثلة في الوزراء والتجار وأصحاب النفوذ من الشيوخ ومن يعتبرهم كثير من العامة مسئولون عن كل وضع صعب أو مصيبة تحدث.لكن لماذا كانت الإساءة موجهة للسلطان بذاته وليس لتلك المجموعة "البغيضة"؟!

لقد وجهت الكثير من الإساءات والاتهامات لوزراء وتجار، وكلنا سمعنا وقرأنا شيء من ذلك، لكن هناك نقطتان يجب أن تؤخذا هنا في الاعتبار. النقطة الأولى هي أن معظم الإساءات للسلطان جاءت بعد بداية الربيع العماني ، وحينها كانت هناك أمنيات كبيرة لدى البعض بأن يروا من يعتقدون أنهم ظلموهم يعاقبون ويحاسبون على ما اقترفوه........لكن هذا لم يحدث بالصورة السينمائية التي يتوق لها الشباب المتحمس. سبّب هذا الأمر احباطاً دفع بالبعض لتصعيد الإنتقادات لأعلى، إلى من بيده الأمر......إلى السلطان، وكانت في اعتقادي كصرخة أخيرة يائسة.
لكن هناك عامل آخر أكثر أهمّية غرّر بإخواننا وكان مقدّمة لهم ليقدموا على ما أقدموا عليه أسوقه في النقطة التالية.

الإشاعات عن السلطان

العامة من الناس مفتونون بأخبار القصور والملوك والسلاطين، وبما أن هذا العالم مجهول بالنسبة لهم فهم مستعدون لتصديق كل ما يسمعون عنه. أضف لذلك ولعنا الشديد بالثقافة السمعية وتناقل الأخبار. أضف لذلك أيضاً إعلامنا الذي لا يتمتع بذكاء يواكب المرحلة مما جعل الساحة خالية للمنتديات الالكترونية وسائر الفضاء الإلكتروني. كل ذلك ساهم في نشر إشاعات عن السلطان، وتلك الإشاعات كانت تجتمع لترسم شخصية أخرى موازية للشخصية الوطنية الأصلية.
مثال ذلك راجت خلال الأيام التي ظهرت فيها تلك الإساءات إشاعة تقول أن السلطان أنفق خلال إجازته في بريطانيا في محلات هارولدز ملون ونصف المليون جنيه استرليني. وقيل أن السلطان سكن في فندق في اليونان تم حجزه بالكامل له ولمرافقيه...............حتى لو كنّا نتحدّث عن ثري من الأثرياء لكان مثل هذا الأمر طبيعي للغاية، والأمثلة التي تمرّ بنا كثيرة.
في مقابل هذه الإشاعات يمكن التفكّر في ممتلكات السلطان الظاهرة، لديه مزرعة واحدة في الباطنة وأخرى في الجبل الأخضر وثالثة في صلالة بينما هناك بعض المواطنين يملكون أكثر من ذلك. أما قصوره فبيت البركة كان للسيدة والدته، والبقية التي بمسقط وصلالة كانت قائمة قبل عهده، هذا وهو السلطان والقادر على أخذ ما يريد.
ليس هذا موضوعنا هنا إنما فقط أردت أن أشير لواقع في مقابل إشاعات.

الخلاصة

نستطيع أن نخلص لعدة أمور:

-الإساءات التي صدرت من البعض تجاه السلطان كانت في الحقيقة موجّهة للصورة التي روّجت لها الإشاعات وربطت بأسباب واقع يشكو منه أؤلئك، وحتى أكثرهم إساءة لا يستطيع إنكار أن السلطان "قابوس" يشكّل جزءً مهماً من هوّيته وذاته كعماني وبالتالي لا يعقل أن يسيء له في الظروف العادية.
-من يعتقد أنه تعرّض للظلم يصعب إزالة شعوره بالظلم حتى بعد تلبية مظالمه وعلينا توقع ظواهر ذلك الشعور.
- مازلنا بحاجة لإقناع عدد كبير من المواطنين بأنهم شركاء مساوين لغيرهم في الوطن، وهذا الإحساس بالفعل بدأ يدب في النفوس، يكفي أن يحصل المرء على وظيفة ترضي طموحه وكرامته ليحس بهذا الإحساس.
- نحن بحاجة لإعلام يتخلى عن استراتيجية السرد والتلقين التي تصلح أحياناً أن توضع في خانة الإستفزاز إلى استراتيجية تفترض وجود متلقي ذكي وحالياً متشكك.
- نحن كبشر نقيّم أنفسنا في مقابل الآخرين، هذا صحيح على الصعيد الفردي والجماعي، ومن الخطأ أن نحاول إقناع الناس بعكس هذا المنهج بحجة المحافظة على الخصوصية التي يجب أن نطورها هي أيضاً لتبقى حيّة.

الخميس، 8 نوفمبر 2012

في انتظار الخطاب السامي

إلى أين نسير

لماذا لا يتكلم الناس في عمان اليوم عن المستقبل كما كانوا يفعلون دوماً؟! هل توقفوا عن الطموح والأمل؟!
ولماذا فرحتهم بكل ما تم بعد الأحداث الأخيرة أقل من عادية، ومازالوا متشبثين بشعور المظلوم؟؟.
لقد تحقق ما كان يعتبر أحلاماً بمقاييس عشرين عاماً خلت.....فرص الدراسة الجامعية وفرص العمل والبنوك الإسلامية وغيرها، ومع هذا ما زالت زفرات الضيق والتذمر شائعة عند الحديث عن المستقبل، كأنهم في حالة انتظار مملة.
لكن لماذا لا نغادر حالة الإنتظار وننطلق؟!؟!
ننطلق!!.......إلى أين؟؟؟


أين نقف الآن

الحكومة مازالت في حالة دفاع عن النفس، وهي منشغلة بعلاج أزمات نتجت عن فشل دام لسنين طويلة، ومن ثم يبدو لأمثالي من المواطنين العاديين أن لا وقت لديها للنظر للأمام ووضع خريطة طريق ، لكن التاريخ لا ينتظر أحداً كما أنه لا يمضي خالياً، وإن لم نملأه نحن فسيملأه غيرنا. ومن لا يعرف أين سيتجه سيبقى واقفاً تملأه الحيرة والترقب، تمرّ به عربات القطار فتعصف به ريحها حتى يتهاوى ويسقط.

المشكلة

أي مجتمع لا يعرف إلى أين يتقدم يصاب بالإضطراب، ويوماً بعد يوم تزيد صعوبة الأمر خصوصاً مع وجود السلطات في أيدي من يتصورون أن مهمتهم الوحيدة هي الإمساك بمقاليد الأمور وتثبيتها دون الإيمان بحتمية التغيير، هؤلاء ينتمون لزمن مضى صيغت فيه أفكارهم ومهاراتهم ولغتهم ولم تعد صالحة للاستهلاك، وهم ينظرون لنا اليوم كأناس جاحدين لا نقدر ما يبذلونه من جهد.
كلمّا زاد هؤلاء إمساكاً وتمسكاً كلّما زاد المواطن نفوراً.

لنعالج الفشل علينا أولاً معرفة أسبابه، لا أن نعالج الأعراض، لأننا حينها نخدع أنفسنا. وقد تتطور الأعراض كثيراً، وتتعدد البوصلات المصابة بالدوار......حينها يظهر الإنتهازيون وغير الإنتهازيين ليقدموا لنا خرائطهم الخاصة، وقد نجد من يستدعي الأيدولوجيات من الخارج للعلاج، أو يتم التبرع بها لنا عبر وسطاء.
في هذا المعنى طافت بنا حوادث في الأيام الأخيرة أعتبرها مؤشرات خطيرة، آخرها إحراق سيارة أحد المصورين في ولاية السويق.

طبيب الأحرار وطبيب العبيد

في اليونان القديمة كان هناك أطباء خاصين بالأحرار، وآخرين خاصين بالعبيد. طبيب الأحرار كان يسأل المريض ويتناقش معه ومع أسرته حول المرض، وأما طبيب العبيد فكان يطبق قوانين الطب التي تعلمها ويعطي الدواء دونما مناقشة.

قريباً سينعقد مجلس عمان، وسيلقي جلالته حفظه الله خطاباً أتمنى أن ينير لنا درب المستقبل، وآمل أن نكون نحن والحكومة على مستوى مسئولية المرحلة، وأن تكون هي طبيباً حرّاً لأناس أحرار.

الأحد، 4 نوفمبر 2012


عمان بين القيادة والإدارة



لا أحفظ تعريفاً محدداً لكلٍ من "القيادة" أو "الإدارة"، لكن ما يعنيني هنا من القيادة هو "القدرة على إيجاد خيارات جديدة وتحمل مخاطر الأخذ بتلك الخيارات". وما يعنيني من الإدارة في سياق هذا المقال هو "محاولة المحافظة على ما هو قائم فقط وعلاج الأزمات التي تطرأ ". عندما قرر السلطان حفظه الله تغيير الوضع القائم في عام 1970 كان قد أوجد خياراً جديداً لعمان وتحمّل مخاطر الأخذ بذلك الخيار، وهذا مثال جيّد للقيادة في ما يعنينا هنا. وإن بحثنا عن أمثلة لمفهوم الإدارة الذي ذكرته سابقاً فهو الطابع العام للعمل الحكومي على مدى العقود الأربعة الماضية. بالطبع تخللت هذه الفترة بعض المبادرات القيادية التي يمكن الإشارة إليها يمت أغلبها للمجال الإقتصادي كمشروع تصدير الغاز على سبيل المثال، لكنها لم تكن دوماً مدفوعة بالصالح العام، ويمكن القول عن بعضها أنها قياساً للواقع الوطني أضحت عبئاً ثقيلاً. أما المثال الأوضح والأخير على الطبيعة الإدارية هو ما قامت به الحكومة ومازالت تقوم به تجاه المطالبات الشعبية منذ الأحداث الأخيرة حتى أزمة دبا قبل شهر، فكله لا يعدو عن ردود أفعال ومحاولات لعلاج الوضع القائم دون البحث عن خيارات جديدة.




الربيع العماني



من يفترض أن أحداث "الربيع العماني" كانت مفاجأة للأجهزة الأمنية لابد أنه يفتقد للكثير من الفطنة، حتى المواطن العادي كان يتوقع شيئاً فكيف بمن يعنيه هذا الأمر بشكل مباشر ولديه أسباب المعرفة والتنبؤ. لكننا مع ذلك لم نشهد أي تحرك لامتصاص حالة الإحتقان أو لتغيير المزاج العام ليسير في الإتجاه المطلوب، لماذا؟؟......لأن الأمر ببساطة كان يتطلّب قيادة تستطيع ابتكار حلول وخيارات جديدة ولديها الجرأة للسير في طريقها وهو ما نفتقده في كثير بل في أغلب المواقع الحكومية وبشكل أخص وأدق في الجانب الأمني الذي كان يدار من قبل أحد قطبي السلطة.



قناة الجزيرة



لا نستطيع إلا النظر لجارتنا دبي لنرى كيف يمكن للخيارات الجديدة وللقيادة الجريئة ماذا يمكن أن تفعل، وسواء اتفقنا مع المحصلة النهائية التي وصلت إليها دبي اليوم أم لم نتفق، فما من شك أنها بالمقياس المادي قد تفوقت على دول المنطقة وعلى دول كثيرة غيرها لديها من الإمكانات والموارد أضعاف ما لدى دبي والسلطنة بلا شك من تلك الدول.
كيف فعلت دبي ذلك؟!.....وقبلها ماليزيا وسنغافورة واليابان وألمانيا، والأمثلة كثيرة. عندما شارفت ثروة دبي النفطية على النضوب كانت قيادتها قد أوجدت خياراً جديداً بجعلها مركزاً تجارياً، ولو كانت قيادتها إدارية الطابع لقالت "ماذا يمكن أن نفعل؟!......هذه مواردنا وهذه إمكانياتنا وسنعيش ضمن خياراتنا المحدودة"
قناة الجزيرة مثال آخر ملفت للنظر إلى أبعد الحدود لما يمكن أن تفعله القيادة عندما تنتهج خيارات مبتكرة ، تلك القناة جعلت بلداً صغيراً كقطر له من الوزن الدولي ما ليس لكثير من الدول، وما هذا إلا نتيجة قرار قيادي اتخذه أمير قطر بإنشاء هذه القناة وتحمل مخاطر هذا القرار.





قيادة عمان كانت للتجار



دعونا نلقي نظرة عامة على بعض المنجزات الاقتصادية التي يفاخر بها البعض منذ أكثر من عشر سنين أو أكثر ونرى إن كانت فعلاً تستحق الفخر. سنجد أن كل تلك المشاريع تتعلق بقطاعات صناعية وتجارية منفصلة إلى حد كبير عن الواقع الوطني، ثم إنهم يقدمون لنا أرقام وإحصاءات عن الاستثمارات في المناطق الصناعية والموانئ وتصدير الغاز ومرافق التصدير وشبكات الطرق دون أن يقدموا معها معلومات عن كم من تلك الأموال سيدخل بالفعل في الدورة الاقتصادية الوطنية وسيعود بالنفع على المواطن في الأجلين القصير والبعيد. ماذا يعني أن تقيم شركة ما مصنعاً في منطقة صحار الصناعية على سبيل المثال باستثمار قدره 100 مليون ريال يوظف عشرين أو ثلاثين عمانياً برواتب متدنية، تذهب المنتجات والأرباح للخارج وتبقى لنا الأضرار البيئية والاجتماعية . وبعد ذلك يخرج تقرير عن التجارة الخارجية للسلطنة يتبجح بقيمة المواد المصدرة ونسبة الارتفاع في الدخل القومي. يراودني سؤال هنا عن ميزة مشروع مثل "بطاطس عمان" على مشروع مثل مشروع تصدير الغاز.


قبل "الربيع العماني" كان القطب الثاني للحكومة يدار من قبل التجار، وكانوا مدفوعين بمصلحتهم الخاصة فطوروا الموانئ وجلبوا شركاء خارجيين وقدموا لهم التسهيلات وإنشأوا طرق لنقل البضائع والمواد الخام وغيره من المشاريع التي تخدم أنشطة طبقة صغيرة من التجار المتنفذين.



الزراعة والصيد السمكي



لأنه لا مصلحة للمتنفذين في تطوير هذين القطاعين فقد عانت أنشطتهما إهمالاً كبيراً قياساً للاهتمام الذي لقيه مشروع كمشروع طريق الباطنة الساحلي، المشكلة أن العماني غالباً إن لم يكن موظفاً في الحكومة فهو إما مزارع أو صياد. ثم إن هاتان المهنتان بالذات بالنسبة لعمان لا يمكن أن يقيّما على أساس ما ينتجان من سلع، فهما تؤديان أدوار اجتماعية واسعة لايفهمهما التجار ورجال الاقتصاد الذين كانوا يديرون الأمور.



كان بودي التوسع في العناوين السابقة وهي لاشك تستحق، وهناك نقاط أخرى كثيرة على ارتباط بهذه العناوين، ومن أهمها في نظري شعور المواطن تحت وضع يدار بدون وجود آفاق جديدة وخيارات مبتكرة وكيف تتأثر مشاعره الوطنية تبعاً لذلك، وما علاقة ذلك بظهور قيادات ناشئة تتحدى النظام الإداري "الدكتور طالب نموذجاً".


 
عقول عمانية متوترة


العقل الجمعي العماني مشوش إلى حد ما، فيه مساحات تماثل هادئة وفيه مساحات افتراق مضطربة. في مساحات الاضطراب والتوتر تلك ينقسم عقلنا ليشكل عقول متعددة متوترة تفتقد اليقين.
.................................................. .................................



العقل الأباضي


سأبدأ بعقل عمان الأباضي، والسبب هو أني أظنّه أكثر العقول العمانية قلقاً وتوتراً في هذه المرحلة كما أني أحسبه عقل الأغلبية السياسية والثقافية. أسباب توتر هذا العقل ترجع لأسباب ناتجة بشكل أساس عن إنكشاف الحدود الوطنية أمام التداخلات المختلفة سواءً اقتصادية أو ثقافية أو إعلامية وحتى بشرية وهو ما قد يعبّر عنه اليوم بـ"العولمة" أو "الانفتاح" أو غيرها من المصطلحات. هذه التداخلات تمارس ضغوطاً شديدة على هذا العقل مهددة بطمس حدود هويته سواء منها الحقيقية أو المتخيلة. هذا مع الاعتبار أن "الأباضية" في عمان قد تعدّت مفهوم المذهب الفقهي العقدي عند البعض إلى المفهوم الوطني وأحياناً لأبعاد اجتماعية.

مظاهر توتر هذا العقل يمكن ملاحظتها في مواضع كثيرة، لكن أهمها كما أراه هو سعيه الحثيث لتحديد (من هو الآخر) وتأطيره عن طيفه المحيط في مقابل (من نحن) إذ أن معرفة الآخر أساس لمعرفة (من نحن). ويبدو أن صورة (الآخر) بدأت شيئاً فشيئاً تتشكل لتشبه العقل السنّي السلفي.
أيضاً كان من تلك المظاهر التنظيم الذي أعلنت الحكومة القبض عليه عام 2005. ثم الجدل حول مسألة الأهلّه في المناسبات الدينية. وهناك أمثلة أخرى أذكر منها حملتة على مشروع الأوبرا وانتقاده لبعض التيارات الثقافية غير الدينية وزيادة إلتفافه برموزه الفكرية (بالطبع هذه المظاهر توجد عند عقول أخرى).
.................................................. ...........................



الوجود السنّي.


يمكن النظر للعقل الأباضي في عمان على أنه (أغلبية) سياسية وثقافية، أغلبية سياسية بحكم الإنتماء المذهبي لرأس هرم السلطة بغض النظر عن نظرته للأمر، وأغلبية ثقافية بحكم سيطرته على الخطاب الديني، وهو يسعى جاهداً لربط كامل الوطن وبشكل حصري بهويته حاضراً وتاريخاً ومستقبلاً . لكن ما يشوّش هذا التطابق هو وجود (الأقلية) السنّية، فوجودها يجعل حدود الوطن غير واضحة المعالم بل ومخترقة من قبل الآخر. من جهة أخرى الوجود السنّي كثيراً ما يذكّر بإحباطات وخسائر تاريخية مرتبطة بالتوسع السعودي خلال القرن الماضي، وهذا يفسّر لنا عدم توتّر هذا العقل تجاه التيارات الفكرية الدينية غير المرتبطة بالسعودية.
.................................................. ...............................




العقل السنّي


توتر عقل (الأغلبية) الأباضي ومظاهر ذلك التوتر انعكست على كل العقول الأخرى ومنها السني بالطبع فخلقت ذريعة لارتباطه بمرجعيات فكرية خارجية وهذا بالطبع زاد من توتر الأول.
ولعلّي أنبه هنا أن الأمر يمكن قراءته بشكل معكوس، إذ يمكن القول أن الارتياب والتوتر والشعور بـالخشية من طمس الهوية السنيّة ومن ثم التطلع للخارج هو ما أثار اضطراب عقل الأغلبية الأباضي. أياً كان الأمر فلا فرق الآن.
.................................................. .................................



العقل الاقتصادي الشعبي


هنا مساحة أوسع تتلاشى فيها الحدود الفكرية لتبرز فيها الحدود الاقتصادية، وحجم هذا العقل يشكل نسبة كبيرة من العقل الجمعي وهو أقل توتراً. ما يثير توتر هذا العقل هو وجود أقليّة تسيطر على مقدرات الوطن الإقتصادية. الملفت في هذا الأمر أنه وفق هذا العقل فإنه يوجد صنفان في هذه الأقلية. الصنف الأول ويمكن تسميته أقلية مؤقتة، وهم أصحاب المراكز السيادية العليا. الصنف الثاني وهم الأقلية الدائمة كالعائلات والعرقيات المسيطرة على القطاع الإقتصادي.أذكر هنا أن أول مطالب المعتصمين في الأحداث الأخيرة كان إزالة رمز الأقلية المؤقتة ورمز الأقلية الدائمة......بالطبع كان العقل الذي يفكرون به حينها هو العقل الاقتصادي الشعبي.



بالطبع كما هو حال البشر دوماً لا يخضعون للتقسيمات الدقيقة ولايمكن تصنيفهم بحال من الأحوال، إنما حاولت إيجاد أنماط يسهل التعامل معها والتفكير بها.
أسباب الربيع العماني
 
 
صبر العمانيون كثيرا خلال فترة ما قبل الاحتجاجات الماضية، لكن لماذا صبروا حتى الربيع العربي؟!، لماذا لم يتذمروا قبل ذلك وقد مرّوا ببعض الظروف الإقتصادية الصعبة خلال السنين الخالية كفترة الثمانينات حين تدهورت أسعار النفط؟؟ المسألة بالتأكيد ليست متعلقة فقط بالبطالة والظروف المعيشية، بل بأشياء أعمق، ثم لماذا صحار بالذات كانت البؤرة؟!


في ما يلي سأحاول أن أضع اجابات متواضعة لتلك التساؤلات

خلال السنوات الماضية (قبل الأحداث الأخيرة) تشارك في عمان جيلان، الجيل الأول هم الذين شهدوا ووعوا أوضاع ما قبل عام 1970، وهؤلاء لم يكونوا ليتذمروا من أي شيء لأن الحاضر بالنسبة لهم أفضل كثيراً من الماضي فهم كانوا يعانون من عقدة الخوف تجاه أي تغيير قد يعود بهم لأوضاع الماضي المزري.

الجيل الثاني هم من قضى فترة شبابه بعد 1970، وهؤلاء للأسف قد طال بهم الأمد تحت أوضاع ثابتة لا تتغير فاستقر في نفوسهم استحالة التغيير.


لماذا خرج العمانيون في ذلك التوقيت.


أرى ثلاثة أسباب اجتمعت لتطلق الاحتجاجات

1-الجيل الشاب
وهذا الجيل لا يعاني من عقدة الخوف من التغيير ولا عقدة استحالة التغيير.

2-الأمل
ارتفاع أسعار النفط والزيادة الكبيرة في مداخيل مواطني الدول المجاورة غذّت الآمال بتحسن الأوضاع في السلطنة، وهذا أمل في المستقبل يدفع الإنسان للتحرك.

3-الشيطان
وهذا بظني هو أهم سبب وحّد بين المحتجين، وجود شخصيات مكروهة في الحكومة كان بمثابة الشيطان المتسبب بكل المآسي، شعور الكراهية تجاه هذا الشيطان هو الذي ألهب الحماس في المحتجين، ولعل ذكاء السلطان يتجلى هنا حين كان أول ما فعله هو إزالة هذا الشيطان.

4-الإحباط
قبل العيد الوطني الأربعين كان لدى عامة الناس توقعات عالية، وبعض ما كان يقال على ألسنة العقال لم يكن ليقوله إلا السذّج من الناس، وبعد العيد لم يكن هناك شيء.......هذا ألقى بالنفوس من علٍ.

لماذا صحار بالذات كانت البؤرة؟


هناك ثلاثة أسباب أيضا

1-الإحباط
كثير هم في صحار الذين سرحوا من جيش الإمارات، ونسبتهم في صحار ربما أعلى من أي مكان آخر في السلطنة له وزن سكاني مهم، هؤلاء تدهور مستواهم المعيشي وخلف ذلك حالة من الإحباط تدفعهم للإنخراط في أي تحرك قد يسهم في استعادة مستواهم السابق.

2-العمال
أيضاً في صحار هناك مجموعة كبيرة من العمال الشباب يعملون في الشركات والميناء، والعمال بطبيعتهم يمكن تنظيمهم وراء قيادة وتوجيههم، ولعل هذا كان واضحاً.

3-الأمل
الأمل مرة أخرى كان له دور هنا، فأهالي صحار هم أكثر من له علاقة وطيدة بالجيران الأغنياء الذين استفادوا من الزيادات الأخيرة في إيرادات النفط وهذا كان يعطيهم هم أيضاً الأمل في المستقبل.

الوضع في عمان كان جاهزاً، ومشاهد الربيع العربي على شاشات التلفزيون كانت بمثابة صفارة الإنطلاق فقط.