الأحد، 4 نوفمبر 2012


عمان بين القيادة والإدارة



لا أحفظ تعريفاً محدداً لكلٍ من "القيادة" أو "الإدارة"، لكن ما يعنيني هنا من القيادة هو "القدرة على إيجاد خيارات جديدة وتحمل مخاطر الأخذ بتلك الخيارات". وما يعنيني من الإدارة في سياق هذا المقال هو "محاولة المحافظة على ما هو قائم فقط وعلاج الأزمات التي تطرأ ". عندما قرر السلطان حفظه الله تغيير الوضع القائم في عام 1970 كان قد أوجد خياراً جديداً لعمان وتحمّل مخاطر الأخذ بذلك الخيار، وهذا مثال جيّد للقيادة في ما يعنينا هنا. وإن بحثنا عن أمثلة لمفهوم الإدارة الذي ذكرته سابقاً فهو الطابع العام للعمل الحكومي على مدى العقود الأربعة الماضية. بالطبع تخللت هذه الفترة بعض المبادرات القيادية التي يمكن الإشارة إليها يمت أغلبها للمجال الإقتصادي كمشروع تصدير الغاز على سبيل المثال، لكنها لم تكن دوماً مدفوعة بالصالح العام، ويمكن القول عن بعضها أنها قياساً للواقع الوطني أضحت عبئاً ثقيلاً. أما المثال الأوضح والأخير على الطبيعة الإدارية هو ما قامت به الحكومة ومازالت تقوم به تجاه المطالبات الشعبية منذ الأحداث الأخيرة حتى أزمة دبا قبل شهر، فكله لا يعدو عن ردود أفعال ومحاولات لعلاج الوضع القائم دون البحث عن خيارات جديدة.




الربيع العماني



من يفترض أن أحداث "الربيع العماني" كانت مفاجأة للأجهزة الأمنية لابد أنه يفتقد للكثير من الفطنة، حتى المواطن العادي كان يتوقع شيئاً فكيف بمن يعنيه هذا الأمر بشكل مباشر ولديه أسباب المعرفة والتنبؤ. لكننا مع ذلك لم نشهد أي تحرك لامتصاص حالة الإحتقان أو لتغيير المزاج العام ليسير في الإتجاه المطلوب، لماذا؟؟......لأن الأمر ببساطة كان يتطلّب قيادة تستطيع ابتكار حلول وخيارات جديدة ولديها الجرأة للسير في طريقها وهو ما نفتقده في كثير بل في أغلب المواقع الحكومية وبشكل أخص وأدق في الجانب الأمني الذي كان يدار من قبل أحد قطبي السلطة.



قناة الجزيرة



لا نستطيع إلا النظر لجارتنا دبي لنرى كيف يمكن للخيارات الجديدة وللقيادة الجريئة ماذا يمكن أن تفعل، وسواء اتفقنا مع المحصلة النهائية التي وصلت إليها دبي اليوم أم لم نتفق، فما من شك أنها بالمقياس المادي قد تفوقت على دول المنطقة وعلى دول كثيرة غيرها لديها من الإمكانات والموارد أضعاف ما لدى دبي والسلطنة بلا شك من تلك الدول.
كيف فعلت دبي ذلك؟!.....وقبلها ماليزيا وسنغافورة واليابان وألمانيا، والأمثلة كثيرة. عندما شارفت ثروة دبي النفطية على النضوب كانت قيادتها قد أوجدت خياراً جديداً بجعلها مركزاً تجارياً، ولو كانت قيادتها إدارية الطابع لقالت "ماذا يمكن أن نفعل؟!......هذه مواردنا وهذه إمكانياتنا وسنعيش ضمن خياراتنا المحدودة"
قناة الجزيرة مثال آخر ملفت للنظر إلى أبعد الحدود لما يمكن أن تفعله القيادة عندما تنتهج خيارات مبتكرة ، تلك القناة جعلت بلداً صغيراً كقطر له من الوزن الدولي ما ليس لكثير من الدول، وما هذا إلا نتيجة قرار قيادي اتخذه أمير قطر بإنشاء هذه القناة وتحمل مخاطر هذا القرار.





قيادة عمان كانت للتجار



دعونا نلقي نظرة عامة على بعض المنجزات الاقتصادية التي يفاخر بها البعض منذ أكثر من عشر سنين أو أكثر ونرى إن كانت فعلاً تستحق الفخر. سنجد أن كل تلك المشاريع تتعلق بقطاعات صناعية وتجارية منفصلة إلى حد كبير عن الواقع الوطني، ثم إنهم يقدمون لنا أرقام وإحصاءات عن الاستثمارات في المناطق الصناعية والموانئ وتصدير الغاز ومرافق التصدير وشبكات الطرق دون أن يقدموا معها معلومات عن كم من تلك الأموال سيدخل بالفعل في الدورة الاقتصادية الوطنية وسيعود بالنفع على المواطن في الأجلين القصير والبعيد. ماذا يعني أن تقيم شركة ما مصنعاً في منطقة صحار الصناعية على سبيل المثال باستثمار قدره 100 مليون ريال يوظف عشرين أو ثلاثين عمانياً برواتب متدنية، تذهب المنتجات والأرباح للخارج وتبقى لنا الأضرار البيئية والاجتماعية . وبعد ذلك يخرج تقرير عن التجارة الخارجية للسلطنة يتبجح بقيمة المواد المصدرة ونسبة الارتفاع في الدخل القومي. يراودني سؤال هنا عن ميزة مشروع مثل "بطاطس عمان" على مشروع مثل مشروع تصدير الغاز.


قبل "الربيع العماني" كان القطب الثاني للحكومة يدار من قبل التجار، وكانوا مدفوعين بمصلحتهم الخاصة فطوروا الموانئ وجلبوا شركاء خارجيين وقدموا لهم التسهيلات وإنشأوا طرق لنقل البضائع والمواد الخام وغيره من المشاريع التي تخدم أنشطة طبقة صغيرة من التجار المتنفذين.



الزراعة والصيد السمكي



لأنه لا مصلحة للمتنفذين في تطوير هذين القطاعين فقد عانت أنشطتهما إهمالاً كبيراً قياساً للاهتمام الذي لقيه مشروع كمشروع طريق الباطنة الساحلي، المشكلة أن العماني غالباً إن لم يكن موظفاً في الحكومة فهو إما مزارع أو صياد. ثم إن هاتان المهنتان بالذات بالنسبة لعمان لا يمكن أن يقيّما على أساس ما ينتجان من سلع، فهما تؤديان أدوار اجتماعية واسعة لايفهمهما التجار ورجال الاقتصاد الذين كانوا يديرون الأمور.



كان بودي التوسع في العناوين السابقة وهي لاشك تستحق، وهناك نقاط أخرى كثيرة على ارتباط بهذه العناوين، ومن أهمها في نظري شعور المواطن تحت وضع يدار بدون وجود آفاق جديدة وخيارات مبتكرة وكيف تتأثر مشاعره الوطنية تبعاً لذلك، وما علاقة ذلك بظهور قيادات ناشئة تتحدى النظام الإداري "الدكتور طالب نموذجاً".


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق