الجمعة، 13 يونيو 2014

تغيير الخطاب الديني



ما سأقوله سيغضب الكثيرين، وأعتذر لهم مقدّماً.
نحن بحاجة لتغيير الخطاب الديني، بدءاً بمفرداته، مروراً بأساليبه، وانتهاءً بشخوصه......هذا إن أردنا لأنفسنا وأبناءنا الخير، وإلا فالله سبحانه وتعالى ودينه غنيّ عنّا.
أتمنّى هنا أن لا أخرج في ما أعنيه عن قوله عليه الصلاة والسلام "حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذّب الله ورسوله؟!".
ببساطة نحن بحاجة لرجل دين مثقّف غير معادٍ للتاريخ. يبدو كمثقّف، ويست...مع كمثقّف، ويفكّر ويتكلّم كمثقّف. رجل دين يكون متقدماً على العامة بخطوة واحدة على الأقل. وكل هذا في إطار الدين الواسع.
لا أعدّه عاقلا من لا يلاحظ الفجوة المتزايدة بين الخطاب الديني الصادر من علماء كبار أفنوا عمرهم في جمع العلم وبين الآذان الناشئة التي من المفترض أن تستفيد من ذلك الخطاب. وإن كان هناك من لم يلاحظ فما عليه إلا أن يجرب شيئاً أشهى للنفس من الخطاب، وليضع أمام أبناءه طعاماً تقليدياً وآخر من طعام الوجبات السريعة ولينظر لأي الطعامين ستمتدّ الأيدي.
عقول اليوم غير عقول الأمس، تفكّر بشكل مختلف، ودليل ذلك أنها تتكلم بشكل مختلف وتحب الاستماع لأشياء مختلفة، وتتعامل مع الزمان والمكان والأسباب بصورة مختلفة. صورة رجل الدين التقليدية بالنسبة لكثير من هذه العقول تسكن الماضي لأنها لا تتكلم إلا عن الماضي الذي تستمد منه شرعية الخطاب. وليس لها مكان إلا المسجد لأنها ليست فاعلة إلا فيه. وأن منطقها خارج منطق منظومة الأسباب العقلية المسيرة للعالم. حتى الهيئة الشخصية غالباً تجدها هذه العقول غريبة عن زمانها وحاضرها.
نحن أمام عقل بني نظامه الفكري في نظام التعليم العام الذي صمم خصيصاً ليخدم التنمية والاقتصاد، وتعلّم المعادلات الرياضية، والكيميائية، وأنّ الطاقة لا تفنى ولا تخلق من عدم، وأصبح يعرف أن نسبية آينشتاين تفسّر تماسك الكواكب والمجرّات......ببساطة هو عقل منطقي. لكن الدين ليس كذلك في الأساس، بل هو إيمان قلبي، وكما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه "لو كان الدين بالعقل لما كان مسح الخف من الأعلى".




أعتقد أن أكبر نجاح يمكن أن يحرزه رجل الدين هو أن يزرع العقيدة السليمة في القلب، وأسوأ ما يمكن أن يفعله بعد ذلك هو أن ينصب نفسه معلماً ويدعو الناس لتقليده. فحين تستقرّ العقيدة السليمة في القلب لا يهمّنا مع أي عقل نتعامل، أكان عقل راعي غنم أم عقل عالم فضاء، فالقلب يعرف بالتأكيد كيف يطوّع العقل. وأمّا حين ينصّب رجل الدين نفسه معلماً أو لا يحاول منع ذلك، فإنّه إنما ينسخ عقله لعقول الآخرين، وطبيعة العقل المنسوخ أنه معدي وثابت لا يتطوّر، ويظل مرتبطاً بالزمان الأصلي الذي وجد فيه مهما تبدّلت الأحوال وتعاقبت الأجيال، يرفض الحاضر والمستقبل ويحنّ للماضي........وهذا ما حدث بالفعل.
ليست الساحة خالية من رجال الدين العصريين، ويحضرني الآن مثال قوي وهو الشيخ سلمان العودة، ومن تتبع مسيرة هذا الشيخ يعرف كيف انتقل من صورة إلى صورة، ومن عصر إلى عصر. في بداية التسعينات سئل سلمان العودة عن حكم قيادة المرأة للسيارة، فكان جوابه أن قيادة المرأة للسيارة هي مؤامرة ضد المجتمع. وفي عام 2005م أجاب عن ذات السؤال بأن قيادة المرأة للسيارة شأن مدني تحدده القوانين المدنيّة.........شتّان بين العصرين

الأربعاء، 4 يونيو 2014

سبونج بوب


سبونج بوب

 

اسمعي يا بنت الناس، أستطيع تحمّل الغيرة من أشياءك الكثيرة، إلا هذا السبونج بوب الذي تضعينه كعلّاقة مفاتيح. ما أشدّ قهري منه!!!

لا أدري مالذي يعجبكِ فيه؟!.....أقبّل يديكِ ضعيني بدلاً عنه، وكلّما مشيتي سأتدلّى، وأصفق، وأدور.....أفضل منه بألف مرّة.

 

المشكلة أنّ له عينان....تقتلني عيناه، تغيظني حدّ الانفجار، خصوصاً عندما تعبثين بمفاتيحك وأنتِ لاهية بالحديث. وفوق ذلك يخرج لي لسانه.....يستفزّني.....أقسم لو استطعت لقطعت له لسانه البغيض وسيعرف حينها من فينا أشدّ بأساً.

 

تريدين الحقيقة.....أحسده.....وكيف لا وأنتِ تلمسينه!!، وحين تمشين يلهو مع أطراف أصابعكِ، وحين تجلسين قد يغفو على راحة يدكِ...

أرجوكِ....خذيني بدلاً عنه.

السبت، 31 مايو 2014

لست منطقياً أخي سند

لست بأي حال منحازاً لا لأهل المنطق ولا لغيره، إنما أستطيع بالفطرة أن أعرف أن هذه الفتاة قد صُبّ الجمال عليها بلا قيد ولا حساب. بل لا أكاد أشكّ أنّ العسل يقطر من بسماتها وهي تقطّع الخبز، وأنّ ندى مروج جورجيا المزهرة يعطّر أي شيء تلمسه.
لكن رفيق الرحلة سند، ويبدو لي أنّه لم يستطع استيعاب وجود هذا الكمّ من الجمال دفعة واحدة يداعب بعضه بعضاً ، أصيب بما كنّا نسميه (عقر بقر). وبالعربي فقد جحظت عيناه وانفكّت علائق فكّه الأسفل، ولم يعد يسمع. وفي محاولة مستترة منه لاستعادة التوازن أخذ يسأل:

-سالم....ما هي مقاييس الجمال؟

كنت أنوي أن أجيبه وفق ما أعرفه عن ميوله المنطقية الأرسطية، وأن أسرد عليه ما يستحبّ أن تكون عليه المرأة من صفات جسمانيّة. لكن.....ما إن اقتربت منّا حاملة صحن الخبز لطاولتنا، ووضعت ابتسامتها عليه، حتى عجّم عليّ وعليه....وبقينا لحظات.....ثمّ بدأنا السباق لنتقاسم عبيرها على الخبز.
كان عليّ أنا أن أستعيد توازني هذه المرّة، وكان ذلك أصعب كثيراً مما تتصورون، فصوت استدارة كعبها عند رجليّ أدار عقلي وقلبي.

لقد نجحت في استعادة بعض التوازن، لكن ليس بالقدر الذي يمكّنني من التفكير بشكل منطقي كالذي يتوقعه منّي سند. وأكثر ماكنت أتوق له لحظتها أن أفهم.....أفهم أي شيء.
تناهت لسمعي مرّة أخرى استدارة كعبها بعدما وضعت صحناً على طاولة أخرى، وإذا بها تشرق عائدة، وقفت بقربنا، أعطتني ابتسامة وأعطت لسند واحدة أخرى. قالت

-تريدون شيئاً آخر؟!..........آسفة....رأيتكم تنظرون لي فاعتقدت أنكم تريدون شيئاً.......إذا أردتم أي شيء أشيروا لي فقط.

تركتنا....وكأنها ألهمتني ما يجب أن أرد به لسند. قلت له

-سند...الجمال معجزة الإنسان، لأنّه وحده القادر على إضفاء قيم الجمال على الأشياء. ووحده القادر أيضاً على إضفاء قيم مضادة على أشياء أخرى. هذه الفتاة مثلاً.....أنا متأكد، أننا نحن الإثنان سنترك جزءاً من قلبينا هنا في هذا المطعم المجهول في هذه القرية الفلاحية الصغيرة......قيمة الجمال بقدر ما تدفع له من قلبك.

الجمعة، 30 مايو 2014

تكسير قبور الشيعة في مقبرة حماسا

سأتكلّم بصراحة، وما يشجّعني على ذلك ثقتي التامة بسعة صدور أهل البريمي. فهم متميّزون بسعة الصدر هذه على كل من حولهم، وهذا من أسباب كون البريمي جاذبة لكل أحد. ولا أبالغ إن قلت أن أهلنا هنا، ولأسباب تفرضها طبيعة البريمي، تؤطر الإنسانية نظرتهم للآخر أكثر من مناطق كثيرة في عماننا الغالية. أمّا الأطر المذهبية والدينية والعرقية، والتي جميعاً ننتمي لأحدها، فلا تنتقص بأي حال من الأحوال من حقوق الإنسان كإنسان، أو كمواطن، أو كعامل أو أياً كانت صفته المدنية.

ما حصل هو كالآتي........قبل أيام قليلة تم الاعتداء على قبور في إحدى المقابر بحماسا، القبور تخص مسلمين من الطائفة الشيعيّة، وطبيعة الاعتداء كانت تخريب ما بني على هذه القبور من معالم باستثناء الشواهد.

لسنا بحاجة لكثير من الفطنة لمعرفة أي فكر قد يدفع لمثل هذا العمل الأهوج الخالي من العقل، لكن على كل حال إن كان هناك بقيّة عقل في هؤلاء ومن يحمل فكرهم فبودّي أن يسمعوا منّي هذه الرسالة.

"
1- يروى عن الإمام محمد بن عبدالوهاب أنّه قال يوماً لطلبته يختبرهم
-في بلدة كذا رجل ذبح ذبيحة للجن.
انزعجوا بالطبع، وتمنوا لو أنّهم عنده فينصحونه. وفي يوم غد جاءهم الشيخ بخبر آخر، قال لهم أن في ذات البلدة رجل زنا بأمه. تمعّرت وجوه القوم وانتفضوا، وهمّوا للذهاب للبلدة للفتك بهذا الذي زنا بأمه.
هنا قال لهم الشيخ
-عجباً لكم، هذا الرجل الذي زنا بأمّه ارتكب كبيرة ولم يشرك، وأمّا الرجل الأول فقد أشرك بالله، فكيف تكون همّتكم للكبيرة أشدّ من همّتكم للشرك!!!. انتهت القصّة.

2-لو قرأتم التاريخ لعرفتم أنّ من أهمّ أسباب انتشار المذهب الشيعي هو "المظلوميّة"......وها أنتم تشاركون في تصويرها وتسويقها، فقد انتشرت صور القبور المحطّمة. ولو لا ممارسات مثل هذه في التاريخ الإسلامي لربّما كانت صورة المشهد الإسلامي مختلفة اليوم.

3-أي فكر ديني يشتدّ ويصلب عود بالضغط، والفكر لا سبيل لمواجهته إلا بالفكر، وها أنتم أيضاً تشاركون في تقوية ذلك الآخر من حيث لا تعلمون.

4-أين منكم قوله تعالى "ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك". لا يشك من يرى الكيفية التي حطّمت بها القبور أن من قام بالعمل يحمل غلاً وغيظاً لا يتناسب وصورة المسلم المحبّ للخير.

5-ما تعانون منه يسمّى (رهاب عدم الاكتمال)، وهو ما يعاني منه كل متشدد، يزعجه وجود الآخر، ويزعجه أكثر كلّما كان ذلك الآخر صغيراً. لذلك نجد الهجوم يتجه للشيعة، لأنهم المجموعة الأصغر.

6-المجتمع المثالي بنظركم هو مجتمع يتكوّن منكم فقط، وهذا مستحيل نظرياً وواقعياً، وعلى مرّ التاريخ لم يخلق مجتمع كالذي تحلمون به، السبب ببساطة أن الانسان لا يستطيع أن يكوّن مجتمعاً إلا بوجود "نحن" والآخر.
"

رسالتي الثانية أودّ توجيهها للجهات الرسميّة

1- لا يجب النظر للأمر أنّه شيء عابر، لأن العمل له دافع ديني، والدين يؤطر النظرة لكل شيء. وهو مؤشر خطير على ما يمكن أن يصل به الأمر من تجاوز لكل سلطة واعتبار. ولعل العمل باليد وفعل التكسير يحمل أقوى وأوضح رمزية.

2- الجهات الرسمية تتحمل جزء من مسئولية ماحدث. فرواج فكر كالذي أدى لهذا العمل كان بحاجة لمحفّز، والمحفّز توفر له ببساطة قبل عدّة سنين حين قامت مشكلة المساجد في البريمي. ولعلّكم تذكرون كيف طغت تلك المسألة، وكيف أدى تردد المسئولين الى تطاول ذوي النفوس الضعيفة.

3- الحل ليس في بناء المقبرة، بل في بناء العقول، وإقناع كل فكر بأنه جزء مكون للمجتمع، وليس منبوذا، وفق قاعدة " لا ضرر ولا ضرار".
"
رسالتي الثالثة هي لذوي الموتى الذي أحسّوا بأنهم مستهدفين بالسوء.

يعلم الله أنّي رأيت من بعضكم الذي أعرفهم كل خير، ولا نرضى بأي حال من الأحوال أن تنتهك حقوقكم، وليس هذا بتفضّل من أحد عليكم، بل هو في الحقيقة حفاظ على حقوق الجميع.

شكراً لكم

السبت، 17 مايو 2014

الناس أجناس -1




كلكم مثلي، تجدون في محيطكم القريب أصنافاً من البشر. ولأنهم في محيطنا القريب فمن الممكن أن نجد متعة كبيرة في التأمل في هذه العوالم البشرية. لا أخفي عليكم، أنا أجد متعة كبيرة في ذلك، ولا أدري بالضبط لماذا –أرجو أن لا يغضب منّي أحد- بشكل عفوي عندما أتأمل في شخصية ممتعة أفكّر فيها كشخصية رسوم متحركة.




من أين أبدأ ياترى؟!.....سأبدأ من أحد مدراء العموم الذين مرّوا بي. بالتأكيد ليس الحالي...
، بل أحد السابقين.
كان بيني وبينه معرفة سطحية بسيطة جداً قبل أن ينقل لمديريتنا كمدير عام، وحين استدعاني لمكتبه للمرة الأولى، وقبل أن أفتح الباب، أخرجت من جيبي ابتسامة صديق قديم وألصقتها على وجهي. حين دخلت كان يجلس على مكتبه وأمامه ورقة بيضاء حسبت أنّه يعاقبها على فعلة دنيئة فعلتها. أحسّ بدخولي فتوقف عن عقاب الورقة ورفع عينيه من فوق نظارته المتدلية على أنفه، ثمّ مطّ شفته السفلى بشكل قوس للأمام حتى خشيت أنّه يطلب منّي أن أمد يدي لها للمصافحة.
حينها.....وبسرعة كان علي أن أبحث في جيبي أيضاً عن زيّ وكيل عسكر، وأن ألبسه إياه بشكل خفي وأعود لمكاني عند الباب، حينها فقط سأستطيع التعامل معه.
استمرت علاقتنا العملية وفق القواعد العسكرية، ولذلك كان علي دوماً أن أحتاط له بزي وكيل العسكر في جيبي، وكنت في نظره من أكفأ الموظفين، ومع ذلك فأجمل كلمة سمعتها منه هي "أنت ذكي يا سالم، لكنك كسول".
لاشك أنكم توافقونني أن المناصب القيادية تحتاج لأشخاص ذوي مهارات قيادية، وحتى أكفأ الناس وأعدلهم "كمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلّم" لن يكون قادراً على توجيه الناس نحو الهدف المنشود دون استمالته للقلوب، ولذلك قال تعلى "ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك".

الجمعة، 16 مايو 2014

مثلث الفضاء الفكري

قبل 1500 عام أو يزيد ظهر نابغة عربي هو امرؤ القيس أخذ على عاتقه برمجة الشاعرية العربية حتى يومنا هذا، فهو أول من وقف على الأطلال، وأول من خاطب صحبه، وأول من شبّه النساء بالغزلان، وأول من أدخل الشعر لمخادع النساء.

وفي صدر الإسلام ظهر نابغة آخر، الخليل بن أحمد الفراهيدي، وهذا تكفّل ببرمجتنا لغوياً، وبالتالي فكرياً، فاللغة هي وسيلة التفكير. وكل ما نتكلم به الآن في لغتنا الفصحى ندين فيه للخليل بالفضل الكبير. أمّا من أغلق المثلث الفكري فهو العبقرية الفذّة الشافعي رحمه الله، فهو من وضع الأسس الفقهية التي مازال المسلمون يعملون وفقها.

هل ترون؟!، ذلك المثلث الذي رسم حدوده امرؤ القيس والخليل والشافعي هو فضائنا الفكري. وقد تتمنون معي لو تغير شكل هذا الفضاء، كأن يصير مربعاً....أو مستطيلاً.....أو دائرياً.