الجمعة، 30 نوفمبر 2012

حول الإساءة للسلطان



الإساءة للسلطان

إن الإساءة للسلطان "قابوس" من قبل عمانيين ليس شيئاً عادياً يحدث دون أن نقف ونتفكّر فيه ونتعبّر. وبعد ان انتهى الأمر كما انتهى عليه نستطيع الآن أن نعود له بأعصاب باردة ونحاول أن نتبين الأسباب التي دفعت ببعض إخواننا للقيام بأفعال بدت صادمة للكثيرين ناهيك عن أنها مخالفة للقانون المعروف للجميع في هذه النقطة بالذات وهي "ذات السلطان مصانة".

من هو السلطان "قابوس" بالنسبة لعمان اليوم
عمان اليوم، ومنذ عام 1970 لا يمكن فصلها عن صورة السلطان قابوس، هذه المرحلة الزمنية من عمر عمان طبعت بهوية هذا الرجل، ونحن أيضاً بالضرورة اكتسبنا تلك الهوية وتشربت ذاكرتنا كعمانيين بصورة عمان ممتزجة بصورته، وأصبح احترامه من القيم الإجتماعية الأساسية التي بني عليها وعينا قبل أن نسمع عن قانون "ذات السلطان مصانة"......من هنا أريد أن أنطلق للنقطة التالية.

دشداشة النوم
"دشداشة النوم" تلك التي يرتديها كثير من شبابنا اليوم خارج البيوت وأحياناً تجدهم يضعون معها العمامة وهي بذلك خارجة بالتأكيد عن سياق النوم والراحة. سعرها لا يختلف كثيراً عن سعر الدشداشة العادية، ومعظم من يلبسونها هم ليسوا من الطبقة الغنية، فهم بذلك تحمّلوا عبئاً إضافياً....... لماذا يفعلون ذلك ياترى؟!.......في الحقيقة "دشداشة النوم" ليست سوى "مظاهرة صامتة" ضد الدشداشة الرسمية المرتبطة بالهوية العمانية.
دشداشة النوم ليست المظهر الوحيد للاحتجاج ، سبقها استعارة الكلمات والتعابير الخليجية والعربية لتحل محل العمانية، وسبق ذلك أسماء المواليد الغريبة العجيبة حتى أن الجدّة أصبحت لا تحسن نطق اسم حفيدها. العلامة الأبرز في هذا المجال هو الشعر وهم الشعراء أو الترمومتر الحساس للمجتمع. أذكر أني قرأت شعراً لأحد شعرائنا وكنت أحسبه لشاعر سعودي.......تلك مظاهرة أخرى ضد المجتمع.

مع استخفاف البعض بتلك المظاهر إلا أن لها معان عميقة وغالباً ما تصدر عن أفراد يشعرون أنهم لا ينتفعون كغيرهم من موارد المجتمع. بتعبير أبسط هي مظاهر احتجاج من طبقة المجتمع المتدنية ضد الطبقة الغنية.

في السياق السابق أستطيع أن أفهم الإساءة للسلطان، إنها احتجاج بصوت عالي ضد تلك الطبقة المتمثلة في الوزراء والتجار وأصحاب النفوذ من الشيوخ ومن يعتبرهم كثير من العامة مسئولون عن كل وضع صعب أو مصيبة تحدث.لكن لماذا كانت الإساءة موجهة للسلطان بذاته وليس لتلك المجموعة "البغيضة"؟!

لقد وجهت الكثير من الإساءات والاتهامات لوزراء وتجار، وكلنا سمعنا وقرأنا شيء من ذلك، لكن هناك نقطتان يجب أن تؤخذا هنا في الاعتبار. النقطة الأولى هي أن معظم الإساءات للسلطان جاءت بعد بداية الربيع العماني ، وحينها كانت هناك أمنيات كبيرة لدى البعض بأن يروا من يعتقدون أنهم ظلموهم يعاقبون ويحاسبون على ما اقترفوه........لكن هذا لم يحدث بالصورة السينمائية التي يتوق لها الشباب المتحمس. سبّب هذا الأمر احباطاً دفع بالبعض لتصعيد الإنتقادات لأعلى، إلى من بيده الأمر......إلى السلطان، وكانت في اعتقادي كصرخة أخيرة يائسة.
لكن هناك عامل آخر أكثر أهمّية غرّر بإخواننا وكان مقدّمة لهم ليقدموا على ما أقدموا عليه أسوقه في النقطة التالية.

الإشاعات عن السلطان

العامة من الناس مفتونون بأخبار القصور والملوك والسلاطين، وبما أن هذا العالم مجهول بالنسبة لهم فهم مستعدون لتصديق كل ما يسمعون عنه. أضف لذلك ولعنا الشديد بالثقافة السمعية وتناقل الأخبار. أضف لذلك أيضاً إعلامنا الذي لا يتمتع بذكاء يواكب المرحلة مما جعل الساحة خالية للمنتديات الالكترونية وسائر الفضاء الإلكتروني. كل ذلك ساهم في نشر إشاعات عن السلطان، وتلك الإشاعات كانت تجتمع لترسم شخصية أخرى موازية للشخصية الوطنية الأصلية.
مثال ذلك راجت خلال الأيام التي ظهرت فيها تلك الإساءات إشاعة تقول أن السلطان أنفق خلال إجازته في بريطانيا في محلات هارولدز ملون ونصف المليون جنيه استرليني. وقيل أن السلطان سكن في فندق في اليونان تم حجزه بالكامل له ولمرافقيه...............حتى لو كنّا نتحدّث عن ثري من الأثرياء لكان مثل هذا الأمر طبيعي للغاية، والأمثلة التي تمرّ بنا كثيرة.
في مقابل هذه الإشاعات يمكن التفكّر في ممتلكات السلطان الظاهرة، لديه مزرعة واحدة في الباطنة وأخرى في الجبل الأخضر وثالثة في صلالة بينما هناك بعض المواطنين يملكون أكثر من ذلك. أما قصوره فبيت البركة كان للسيدة والدته، والبقية التي بمسقط وصلالة كانت قائمة قبل عهده، هذا وهو السلطان والقادر على أخذ ما يريد.
ليس هذا موضوعنا هنا إنما فقط أردت أن أشير لواقع في مقابل إشاعات.

الخلاصة

نستطيع أن نخلص لعدة أمور:

-الإساءات التي صدرت من البعض تجاه السلطان كانت في الحقيقة موجّهة للصورة التي روّجت لها الإشاعات وربطت بأسباب واقع يشكو منه أؤلئك، وحتى أكثرهم إساءة لا يستطيع إنكار أن السلطان "قابوس" يشكّل جزءً مهماً من هوّيته وذاته كعماني وبالتالي لا يعقل أن يسيء له في الظروف العادية.
-من يعتقد أنه تعرّض للظلم يصعب إزالة شعوره بالظلم حتى بعد تلبية مظالمه وعلينا توقع ظواهر ذلك الشعور.
- مازلنا بحاجة لإقناع عدد كبير من المواطنين بأنهم شركاء مساوين لغيرهم في الوطن، وهذا الإحساس بالفعل بدأ يدب في النفوس، يكفي أن يحصل المرء على وظيفة ترضي طموحه وكرامته ليحس بهذا الإحساس.
- نحن بحاجة لإعلام يتخلى عن استراتيجية السرد والتلقين التي تصلح أحياناً أن توضع في خانة الإستفزاز إلى استراتيجية تفترض وجود متلقي ذكي وحالياً متشكك.
- نحن كبشر نقيّم أنفسنا في مقابل الآخرين، هذا صحيح على الصعيد الفردي والجماعي، ومن الخطأ أن نحاول إقناع الناس بعكس هذا المنهج بحجة المحافظة على الخصوصية التي يجب أن نطورها هي أيضاً لتبقى حيّة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق