الثلاثاء، 28 يوليو 2015

ليتني سائق تاكسي في تايلاند



سعيد.....سائق تاكسي عماني، مكانه المعتاد تحت المظلات المقابلة لمنفذ هيلي الحدودي، عادةً ستراه هناك يلعب الورقة مع زملاء المهنة في انتظار الزبائن العابرين للحدود من الجانب الإماراتي. قبل شهر كنت تستطيع تمييز سعيد بسهولة عن غيره من أصحاب المهنة بسبب العمامة التي كان يرتديها، فقد نقش عليها علامة شركة المرسيدس بحجم كبير، وهو يحرص على إبراز هذه العلامة في المقدمة وفوق جبهته مباشرة........أمّا الآن فلم يعد سعيد يرتدي تلك العمامة.
قبل شهر سافر سعيد كمرافق لأحد أقربائه إلى تايلاند بغرض العلاج، وهي كانت المرة الأولى التي يسافر فيها، كما أنها كانت المرة الأولى التي يجد نفسه في مكان الزبون بدل سائق التاكسي........وهنا يحكي سعيد لي عن تجربته فيقول:
يا أخي......ماذا أقول لك!....لا أريد القول أننا زبالة، لكن واقعنا قريب من هذا. أنا أتكلم عن كثير من سيارات الأجرة بالطبع، تصوّر أنّي طوال فترة مكوثي هناك لم أركب تاكسي به رائحة غازات.
....لا تضحك........
أحلف لك أني أستطيع تمييز سيارات زملائي وأنا مغمض العينين اعتماداً على رائحة غازاتهم المتعطّنة بداخلها.
هل تتصوّر أني في تايلاند تمنّيت أن يحاول سائق تاكسي أن يستغفلنا!!!، كنت سأشعر ببعض العزاء، لأني فعلاً كنت أقارن نفسي بهم.
هناك لن تجد سيارة أجرة قذرة، وإن لم تكن رائحتها معطرة فلن تكون هناك رائحة سيئة، وقبل ذلك سترى السائق نفسه نظيفاً مهندماً، ولن تسمعه يسب ويشتم أو يزاحم الآخرين. وأما الأجرة وهي الأهم بالنسبة له فيقررها عداد الأجرة ولن يجادل فيها، وأمّا إن أردت أن تزيده فوق القيمة التي يقررها العداد فذلك راجع لك.
كل ذلك كان مهماً، لكن الأهم هو الثقة التي كنت أحسّها تجاه سائقي التاكسي، فلا خوف ينتابك منهم ولا ترغب بالتقيؤ بمجرد ركوبك، ولا يهم من أنت سواء كنت رجلاً أم امرأة، فعادة لا يكلمك السائق حتى يوصلك للوجهة المقصودة. وتمنّيت من كل قلبي أن أجد ذلك الإحساس تجاهي هنا.
بالمناسبة......ركوب امرأة مع سائق التاكسي هنا قصة لوحدها، ولا بأس علي الآن أن أخبرك ببعض الأسرار.
أنا مثلاً كنت أكتب رقم هاتفي على وسائد الرأس ليراها من يركب بالخلف، وإذا ركبت معي امرأة أتفحصها في المرآة ثم أحاول جرّها بالحديث بالسؤال عن زوجها.......وفي النهاية إن وجدت منها صدوداً فلا أقل من أن أطلب منها مبلغاً زائداً وهي غالباً لن تجادل.

لا أفهم الآن كيف كنت أعارض تركيب عداد لسيارات الأجرة، وأتعجب كيف نحن غافلون عن فائدة وجود شركات متخصصة تدير سيارات الأجرة، فالمكاسب في وجود إدارة جيدة وسيارات نظيفة وقوانين منظمة كبيرة ولا تقارن بالواقع الحالي......ليتني كنت سائق تاكسي في تايلاند.
أول شيء فعلته حين عودتي من تايلاند هو أنّي تخلصت من تلك العمامة التي تحمل شعار المرسيدس، لقد اكتشفت أنها قبيحة للغاية.
انتهى كلام سعيد.
أنا نفسي كنت قبل أشهر في مسقط مقيماً في أحد الفنادق في الخوير، وحين طلبت من موظف الاستقبال أن يستدعي لي سيارة أجرة لتقلني للمطار قال لي بالحرف الواحد "سامحني....من الأفضل أن تذهب بنفسك للبحث عن سيارة أجرة، لأنهم كثيراً ما يفاجئوننا بالأسعار، فمن الممكن أن يطلب ريالين، وكذلك من الممكن أن يطلب عشرين ريالاً"
القصة الأخرى أخبرني بها أحد الإخوة السوريين، وهي أن قريبه جاء بسيارة أجرة من مطار مسقط إلى البريمي ودفع لسائق الأجرة مئة وخمسين ريالا.......تصوروا.....مئة وخمسين ريالاً.


كيف يمكن أن ينشط أي قطاع وهو بهذه الحالة، ولا أقبل القول القائل أنهم هم أنفسهم يعارضون أي تغيير، فحتى الطفل يبكي بحرقة حين نعطيه الدواء......ومع ذلك يتوجب علينا أن نعطيه الدواء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق