من يتحمل مسئولية مآسي اليمن؟
لا شكّ أن المشاهد التي نراها على التلفزيون
لإخواننا اليمنيين-وهي بالتأكيد لا تمثل إلا جزءً يسيراً من المأساة- تشعرك
بالغضب، وتتمنى أن تمسك برقبة ذلك المجرم الذي كان سبباً بكل هذا وتعصرها بيديك
حتى تجحظ عيناه ويخرج لسانه من فمه ثم يموت، ولتتأكد من موته تهزّه هزاً عنيفاً
ثمّ تلقيه جثّة هامدة.
لكن من هو المتسبّب الحقيقي......هل هي
إيران؟!
بالتأكيد لا.......لأنه لو لم يكن الوضع
مهيئً للتغول الإيراني لما كان حدث، ولا يمكن لوم إيران على البحث عن مصالحها
والتحجج بالأسس الأخلاقية، لأن سياسة إيران وغير إيران لا تعرف الأخلاق.
هل هي السعودية؟
بالتأكيد لا......السعودية تدافع عن نفسها،
بل وقد تأخرت كثيراً في ذلك، وما كان الأمر يجب أن ينتظر حتى يصل التهديد للحدود.
هل هو صالح؟
أيضاً لا.......فصالح وزمرته يبحثون عن
مصالحهم السياسية، والأمر يختلف لو أنّه أمسك ببندقية وقتل أو أمر بقتل، فتلك قضية
جنائية. وقبل كل شيء تذكروا أنّه كما يكون الناس يكون قادتهم، فالطبقة القيادية في
المجتمع هي بالضرورة نتاج للمجتمع وليست غريبة عنه.
هل هو الحوثي؟
ولا الحوثي......برغم كل الطفولة السياسية
والرعونة والغباء فوضعه لا يختلف عن وضع المخلوع.
في رأيي إن الملوم الأول هو الشعب اليمني.
والمشكلة تكمن ببساطة في منظومة القيم التي يتبنّاها الإنسان اليمني، والتي استطاع
من خلالها صالح والحوثي وإيران العمل والسيطرة على الشعب اليمني. وبالمناسبة، ليس إخواننا
اليمنيون وحدهم من يعانون من خلل في القيم، بل كلّنا وإن بدرجات مختلفة.
أتخيّل لو أن صالح أخذوه على سبيل التجربة
ووضعوه حاكماً لبريطانيا أو هولندا أو سويسرا، هل تعتقدون أنه سيجد له سبيلاً في
منظومة القيم التي تتبناها تلك المجتمعات؟!
أجزم أنهم سينهون التجربة سريعاً، وأنهم لن
يعطوه توصية حتى لحكم قطيع بقر. وإن أردت أن تضحك فتخيّل عبد الملك الحوثي يلقي
إحدى خطبه في البرلمان البريطاني......أجزم بأنهم لن يجيزوه حتى كمهرج.
في أول بداية العمليات العسكرية ورؤيتنا
لأولى المشاهد قال أحد الإخوة بعفوية
"أنظروا لهذا اليمني.....إنه حتى لا يملك حذاء، ومع هذا يملك بندقية
ويقاتل."
فعلاً......لقد فضّل شراء السلاح على شراء
الحذاء، فضّل أداة الموت على أداة الحياة، هذا مجرد مثال من القيم السائدة. ولعل
حادثة علي عزت-الرئيس البوسني الراحل-الشهيرة تعطينا مثال أوضح، فحين جاء لصلاة
الجمعة متأخراً أفسح له الناس حتى أوصلوه للصف الأول، عندها التفت وقال بغضب
"هكذا تصنعون طواغيتكم".
من رأى الشباب اليمني خلال ثورة الربيع
العربي لا يخامره شك أن هناك يمني جديد يولد، يمني يحمل قيماً أخرى غير التي
أتت بصالح وزمرته وعساكره وشرطته، لكنهم استطاعوا تأخير الولادة، ولعل هذه الهزة
العنيفة تدفع بالمولود للخروج. سينظر اليمني حينها لذاته وللمستقبل بمنظور آخر،
وسيحلم بيمنيّ جديد، يتبنى قيماً أجمل، وسيبدو لنا حينها حتى أبهى من الصورة
العزيزة التي طبعها التاريخ في أذهاننا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق