الخميس، 6 ديسمبر 2012

أنا حامل



يلفني الخجل من هذا الأمر، لكني رأيت أن أقصّه عليكم لاعتبارات كثيرة، كما تتملكني الحيرة فيما يجب أن أحكي وفيما يجب أن أترك، لكنّي سأحاول جهدي.....والله المستعان.

صحوت في أحدى الليالي وبي رغبة شديدة للتقيؤ، ولم تمهلني معدتي حتى أقوم من فراشي لتلفظ في فمي سائلاً حارقاً لفظته بدوري في دورة المياه، عدت للنوم وبي ألم خفيف لكنه مزعج، وفي الصباح أحسست أن بطني منتفخ وأن أمعائي تتحرك بعصبية وكأنها تتزاحم على المكان.

بعد الإجتماع الصباحي لرؤساء الأقسام بالمؤسسة توجهت للمستشفى، وبعد أن فحصني الطبيب وجهني لإجراء الفحوصات المعتادة والعودة في الغد حين تظهر النتائج........وبناءً على نصيحة الطبيب أخرت حضوري في اليوم التالي للمستشفى حتى الساعة التاسعة حين تكون نتائج الفحوصات قد وصلته من المختبر، وحين جاء دوري ودخلت كانت كل فحوصاتي جاهزة وجاء دوره ليخبرني الخبر الصدمة

-مبروك....مبروك يا ابني......أنت حامل.

-بارك الله فيك يا دكتور......أنا حامل لماذا يا دكتور؟؟!!!.....تقصد حامل لفيروس أو ماذا؟

-لا......وهل يبارك لمن يحمل الفيروس!!!......أنت بخير وعافية، كل ما في الأمر أنك حامل.

-حامل!!!!.....حامل ..... هل تعني حامل.

-نعم نعم......بالبركة يا ابني.....أظنّ أن الحمل في أسبوعه الثالث أو الرابع.

-يا دكتور ماذا تقول؟!.....لقد شككتني في نفسي، قبل أن أدخل عليك كنت متأكد من أني رجل ولست إمرأة.

-يا ابني.....هذا اعتقاد خاطئ عند الناس، يعتقدون أن الرجل لايحمل......الحمد لله رزقك من حيث لا تحتسب.......توكل على الله وإن شاء الله ستكون الولادة طبيعية.

كان متأكداً جداً ومقنعاً جداً......خرجت من عنده وأنا لا أكاد أرى، اصطدمت في الممر بالممرضة.....ثم بطاولة الاستقبال.....ثم بالباب.....عندها أيقنت أني لن أستطيع المشي أكثر، ألقيت بنفسي على أحد الكراسي خارج العيادة.....قليلاً وعاد لي بعض العقل، وتفكرت ......كيف لي أن أحمل، كما درسنا في المدرسة يحصل الحمل حين يجتمع الحيوان المنوي مع البويضة، والبويضات إنما تأتي من المبايض التي في الأنثى.....وأنا رجل وليس عندي مبايض......من المؤكد أن الطبيب على خطأ، ربما نسي هذه المعلومة، لابد أن أعود وأذكره بها.

وعدت للطبيب، كان عنده مريض فوقفت بالباب حتى انصرف ودخلت عليه

-نعم يا ابني.....لماذا عدت؟

-يا دكتور......لست مقتنعاً أني حامل، كيف يمكن أن أحمل بدون بويضات.

-أووف من الناس في هذه البلد، يا أخي أنا الطبيب وقد أخبرتك أنك حامل.......يبدو أني لابد أن أكرر الكلام هنا عدّة مرات ليُفهم......تعال وانظر لهذه اللوحة، هذا هو الجهاز التناسلي للأنثى وهذا هو الجهاز التناسلي للذكر....

-نعم يا دكتور، أنا عندي مثل هذا.....إذا ليس عندي بويضات.

-اسكت ولا تقاطعني......في حالات كثيرة وفي بعض الأوضاع المقلوبة للمعاشرة الزوجيّة تسقط البويضة من الأنثى وتتدحرج لتستقر في جوف الذكر، في هذه الحالة يحصل الحمل عند الرجل.......هل فهمت الآن؟!؟!.

-نعم فهمت يا دكتور.

-لا تجادل مرّة أخرى، وويبدو لي أن هذا أول حمل لك فلابد أن تراجع بشكل شهري العيادة المختصة لتطمأن على الجنين.....مع السلامة.



لطالما كنت مناصراً للمساواة بين الرجل والمرأة، وأنا أنظر للوحة الإرشادية التي تشير لعيادة النساء والولادة أحسست بالغبن، فمادام الرجال يحملون فكان الواجب أن تكون هناك أيضاً عيادة خاصة للرجال الحوامل.......أحببت أن ألقي نظرة على تلك العيادة فلاشك أني سأراجع فيها قريباً،دخلت فإذا كلهن نساء، ولا رجل واحد.....كما قال لي الطبيب فحمل الرجال لا يحصل كثيراً، كان بودي أن أجد واحداً على الأقل.

في طريقي للخروج صادفت رجلاً وزوجته عند الباب، ذلك ذكرني بشيء مرعب.......أنا لست متزوجاً!!!.......أي فضيحة تنتظرني، وكيف سأواجه الناس وأنا حامل من غير زواج......

قال الطبيب إن الحمل قد يكون في الأسبوع الثالث أو الرابع، حاولت أن أتذكر ممن يمكن أن أكون قد حملت......ربّما سعاد..........أو .....أخ يا ويلي لو كنت حاملاً من كونو الإثيوبية، سيكون المولود أسمر وأنا أبيض..... ستكون فضيحة ملونة.

اتصلت بسعاد، كنت أتوقع منها أن تتحمل مسئولية فعلتها

-حبيبتي سعاد، لدي أخبار مهمة أريدك أن تسمعيها بهدوء.....أين أنت الآن.

-أنا في الصالون أتجمّل، أين ستسهر الليلة؟

-في الحقيقة ياحبيبتي لا أستطيع السهر بعد اليوم ، لا بد أن أحافظ على صحتي.

-لماذا؟!.....مالجديد في الأمر؟

-لهذا اتصلت بكِ ، لقد كنت اليوم في المستشفى، وقدأخبرني الطبيب أني حامل.

-مزحة باسلوب قديم......سأحكي لك الليلة بعض النكات الجديدة.

-أنا جاد يا سعاد، وقد شرح لي كيف يمكن أن يحدث ذلك علمياً.......حبيبتي، المهم الآن أن هذا الجنين هو إبني وإبنكِ، ولابد أن نتصرف بطريقة ما.....نتزوج مثلاً.

-حميد.....أرجوك لا تفضحني، أنا متزوجة وعندي أولاد، تخيّل لو عرف زوجي أنك حامل منّي أنا؟!؟!؟.....ثم يا أخي أنت قد تكون حاملاًمن غيري.......أرجوك قدّر وضعي.


لم أكن أعرف أن سعاد متزوجة، ومادامت متزوجة فلا فائدة، لا يمكنها أن تتزوج آخر. لم أبت ليلتي تلك من التفكير، وبدا لي حينها أن الجنين يتحرك بشدة بسبب توتري، كنت أعرف من يمكن أن يساعدني ، لكني كنت أخشى من ردّة فعلها إن عرفت أني حامل.

هدى.....، تنتظرني منذ فترة طويلة، قالت أنها ردّت خاطبين من أجلي، منّيتها بأني سأخطبها منذ مدّة وكنت قد نسيت الأمر......قررت المحاولة

في الصباح اتصلت بهدى

-أهلاً بك يا حميد، لم تتصل منذ مدّة طويلة، سنة....ربما سنة ونصف، ماذا ذكّرك الآن.

-هدى هل تذكرين عندما قلتِ أنك موافقة على الزواج بي؟

-نعم أذكر.......لكنك أنت الذي نسيت.!!!

-أعرف أني تأخرت قليلاً لكني مستعجل الآن.

-حقاً!!! آسفة.....لقد أسأت الظنّ بك.....متى ستأتي لتخطبني؟

-حتى لو تريدين اليوم.......لكني أريد أن أخبرك بشيء مهم قبل ذلك.

-ما هو؟

-هدى......أنا حامل.

-حامل؟!؟!......حامل لفيروس ماذا؟

-لا ليس فيروساً......أنا حامل ...... في أحشائي جنين.

-يا خيبتي ويا خيبتك......ماذا أبقيت لي أنا إذاً؟!؟!.....هل تمزح يا حميد؟!

-لا تسيئي الظن بي يا هدى، ثم أني لا أمزح......سأخبرك بالقصة كلها.

وأخبرتها بكل ما أخبرني به الطبيب

-وهذه كل القصة يا هدى، لم أشأ أن أخدعكِ وتعتقدي أني ما زلت ...... لا أدري إن كانت كلمة مناسبة ولكني أقصد "بكر".


طلبت مني هدى مهلة حتى غد للتفكير، وفي غدها اتصلت

-حميد......لقد فكرت في ما قلته لي البارحة، وأنا موافقة لكن بشروط......أعلم أن شروطي ستكون صعبة عليك لكنك ستتفهمها بالتأكيد، أنا أعرف أنك ورثت عمارة ومزرعة وبيت عن أبيك......هل هذا صحيح؟

-نعم صحيح، لا تقلقي أنا دخلي المادي ممتاز.

-هل عندك شيء آخر؟

-نعم، عندي أيضاً أربع قطع سكنية.....قلت لكِ لا تقلقي من هذه الناحية.

-بل أنا قلقة كثيراً.......بعد تسعة شهور أو ثمانية شهور، بالسلامة إن شاء الله، سيكون عندك ولد أو بنت من غيري، وهذا المولود سيشارك أبنائي وسيشاركني في كل شيء، وهو مولود غير شرعي، بل لو مت أنا لا قدر الله سيرثني لأن الجميع سيعتقد أنه من بطني.

-ماهي شروطك يا هدى.

-أكتب كل شيء لي.......

-ماذا؟!؟!؟!.......ماذا تقولين يا هدى؟

-كما سمعت.....فكّر في الأمر وسترى أني محقة.


إما الفضيحة أو القميحة، ماذا أفعل.......قبلت شروط هدى السابقة، واتفقنا على الزواج بأسرع وقت قبل أن يكبر الجنين في بطني ويكون حملي ظاهراً، أشياء كثيرة كنت أفكر فيها وتزعجني.....الرضاعة .....آلام الوضع.....

لا أود أن أطيل عليكم ، تزوجنا أنا وهدى بعد شهر، وطوال ذلك الشهر كان الجنين لا يهدأ في بطني، ربما بسبب قلقي الذي انتقل له، لكن بعد يومين من زواجنا لاحظت أن الحركة في بطني هدأت كثيراً، بل وقل حجم بطني قليلاً، خفت أن يكون مكروه قد أصاب الجنين.....في صباح اليوم الثالث كان القلق قد استبد بي ورأيت أني لابد أن أراجع الطبيب لعمل صورة للجنين.

ذهبنا أنا وهدى للمستشفى، فوجئت في مكتب الإستقبال بشخص أعرفه، فخجلت أن أطلب تحويلي لعيادة الحوامل مباشرة وطلبت عوضاً عن ذلك التحويل للعيادة الباطنية عند الطبيب الذي كشف عليّ أو الأمر، كنت أنوي أن أطلب منه أن يحولني هو لعيادة الحوامل ويوصي لي بعمل صورة للجنين.......لكني حين جاء دوري ودخلت وجدت طبيباً آخر، قدمت له بطاقة المستشفى وبادرني هو بالسؤال

-خير يا أخي حميد مما تشتكي؟

-يا دكتور منذ يومين أحسّ أن الجنين لا يتحرك!!!

-ماذا ؟!!! أي جنين؟؟......تقصد زوجتك؟!

-لا يا دكتور.....أنا حامل......منذ حوالي شهرين وهذه ثاني مراجعة لي.

لم أعلم حينها ماذا حدث للطبيب، حاول في البداية كتم ضحكاته حتى احمر وجهه وانتفخ وصار كالكرة، ثم أطلق ضحكات مدوية .....كان يحاول جهده ليمنع نفسه لكنه لم يستطع.......تملكتني أنا الدهشة، ثم شعرت بالضيق لمّا استمر في ضحكه......كان كلما نظر في وجهي انفجر ضاحكاً......

عندما يأست منه أن يتوقف عن الضحك، وقفت وأنا أنوي أن أشتكي منه.....شعرت للحظة أنه يعاني من نوبة جنون، لكنه عندما رآني وقفت وقف معي ثم ترجّاني أن أبقى حتى يفحص ملفي الطبي، وعندها جاءته نوبة أخرى من الضحك أطاحت به من فوق كرسيّه......لكنه وبشكل مفاجئ التفت لي وهو يحاول أن يكون حازماً والدموع تنهمر من عينيه، قال

-أعترف لك يا أخي.....أنا ارتكبت أخطاء طبية كثيرة، بعضها فضيع.....لكني أبداً لم أحلم أن أصل لمستوى الطبيب الذي كشف عليك......إنه عبقري للغاية.........لكن أخبرني ماهي كميّة الغباء العبقرية التي في رأسك لتصدق أنك حامل.......هيا أخرج عني أرجوك وإلا ستقتلني من الضحك.....

أحسست أني كومة من الغباء.....لم أقو حتى على رفع بصري في وجهه......وخرجت عنه ......خرجت عنه أحمل جبلاً من الخجل......كانت هدى تنتظرني خارج العيادة، جائتني والقلق بادٍ عليها......لم أكن لأجرؤ على إخبارها بقلة عقلي

-يا حبيبي....تبدو محطماً....أخبرني هل حدث مكروه للجنين؟!؟!

-نعم يا حبيبتي......لقد أخبرني الطبيب أن الجنين لم يعد في بطني، ربما سقط دون أن أعلم......ربما بسبب الإمساك الذي عانيت منه قبل يومين، كنت أضغط على نفسي كثيراً لابد أنه سقط أثناء استعمالي لدورة المياه.

-لا عليك يا حبيبي، ولا تحزن......سأحمل أنا وأعوضك إن شاء الله.

ومر الأمر على خير، حتى بعد أسبوعين أخبرتني هدى بأنها تشتبه بأنها حامل، أخذتها للعيادة النسائية، وانتظرتها بالخارج.......وإذا بها تخرج لي وهي متهللة فرحة، بل كادت تعانقني أمام الناس لولا أني نبهتها....اقتربت مني تقول

-أبشر يا حبيبي.....أنا حامل، لكن لن تصدق ما حدث.....الجنين عمره حوالي ثلاثة أشهر.

-ماذا!!!.....لكننا تزوجنا فقط منذ شهر ونصف!!!!.....كيف يكون عمره ثلاثة أشهر.

-يا حبيبي.....ألم تفطن بعد لما حدث؟!؟!؟!......لقد تدحرج الجنين من بطنك إلى بطني......هذا يعني أنك لم تفقد جنينك......قل الحمد لله.

وخرجنا من العيادة، وأنا أحمل هذه المرّة جبلاً من الخيبة والذلّ دون أن أستطيع أن أقول شيئاً، بل كان عليّ أن أظهر الفرح والسرور بأن زوجتي حامل من غيري...........

انتظروا هذا ليس كل شيء.......لقد ولدت هدى ولداً أسمر، وحين رأته أسمراً اتهمتني بأنه ولدي من كونو الإثيوبية......وكان عليّ أن أطلب السماح منها على خطيئتها وأن أربيه لها ..........يا خيبتي.


النهاية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق