خير تعمل، شر تلقى!
علي......شاب عشريني، لطيف ووسيم، وحسن الهندام، حضوره يبعث البهجة في أي مجلس يحضره، وهو مرحب به دوماً في كل مكان، ويتسابق الجميع للكلام معه واستظهار ما تكنه نفسه من حكايات وأفكار تبعث الابتسامات والضحكات.
علي ليس مختل عقلياً.....أبداً.....إنما مستوى ذكاءه منخفض، ويتصرف بحسن نيّة أقل ما يقال عنها أنها ساذجة، كما أنّه تقريباً يصدّق معظم ما يقال له.
اعتدت أن ألتقي بعلي في أماكن كثيرة، عند الحلّاق مثلاً، فهو شديد الاهتمام بمظهره، ويتعمّد أن يدخل لمحل الحلاقة إن رأى أحداً يعرفه طمعاً في أن يدفع عنه أجرة الحلاقة. أحياناً يأتي للمكتب، وبأدب شديد يدّعي أنه بحاجة لأجرة التاكسي ليذهب للبيت، والجميع يعرف أنه ينفق المال على المشروبات الغازية والحلويات التي يعشقها بجنون.
المزحة المعتادة التي كنت أمزحها مع علي هي مزحة الزواج، كنت سألته مرّة......متى ستتزوج يا علي؟
وأجابني ببراءة وهو يتظاهر بأنه يسر لي بالكلام
-لو بودّي تزوجت اليوم، لكن كما تعرف ليس لدي مال، لو كان أبي أو أمي حيّان لكانا ساعداني......هذه حال من ليس له أحد.
-يمكنك أن تتزوج من الخارج يا علي، وستكون التكلفة قليلة.
-حاولت استخراج ترخيص للزواج من الخارج، لكن الجهات الحكومية اشترطت علي وجود كفيل يتعهد بإعالتي أنا وزوجتي، فأنا لا أعمل كما تعرف.
دارت الأيام، وجاءني مرّة علي للمكتب، جلس أمامي وهو يكاد لا يستطيع أن يستقر على الكرسي والابتسامات تتطاير منه مع أنفاسه. عندما خلا الجو لنا اقترب مني وأسر لي .....
-سالم.....لقد تزوجت.....تزوجت أخيراً.....والله العظيم تزوجت من فتاة اندونيسية، وهي جميلة جداً جداً.....
-ما شاء الله.....بالبركة. ومن تكفل لك أمام الجهات الرسمية بالنفقة، أخوك؟!.
-لا ليس أخي، إنه لا يعبأ بي أبداً، ولطالما حاول طردي من البيت الذي ورثناه عن أبي. ابن جيراننا سعيد هو من ساعدني ووقع ورقة الكفالة.
-وأين تسكن أنت وزوجتك الآن؟
-أنا مازلت أسكن في بيتنا القديم، أما زوجتي فقد استأجر لها سعيد شقّة جديدة ويقوم هو بكل احتياجاتها، وأحياناً يأخذني لزيارتها.
لعلكم فهمتم الآن كما فهمت أنا أي استغلال وقع على المسكين علي، أنا أصبت بالصدمة، ومع ذلك لم أستطع أن أشرح له الأمر. فكّرت كيف يمكنني أن أساعده وأنقذه من براث ذلك المحتال سعيد. في المساء مررت متعمداً بالحلاق القريب من بيتهم فوجدته عند الباب، تلطفت معه واشتريت له ما أراد من البقالة المجاورة وأخذته في جولة بالسيارة لأفاتحه بالموضوع
-علي.....أرجو أن تركّز معي، هذه الزوجة التي أتى بها لك سعيد لا تصلح لك.
-لا تصلح لي!!! لماذا؟ إنها طيبة معي، وحين يأخذني سعيد لزيارتها تعطيني خمسة ريالات......أنت الآن تقول مثل كلام أخي، لماذا كلكم تريدون أيذائي ومضايقتي؟.
-لا يا علي، أنا لا أريد مضايقتك، أنا فقط كنت أتمنى أن تتزوج بفتاة جميلة، هل تعرف يا علي أن الأوكرانيات مشهورات بالجمال!!!. أنا مستعد أن أدبر لك عروساً أوكرانية وأن أوقع لك على الكفالة، وأيضاً سأستأجر الشقة وأثثها، وسآخذك لزيارة نتاشا كل أسبوع........ما رأيك؟!.
-من هي نتاشا؟!
-إنها الفتاة الأوكرانية....زوجتك المستقبلية....انظر لصورتها في الهاتف، أترى كم هي جميلة؟!
-ووووووووو.....ووووو......ولماذا سعيد لم يأتِ لي بمثل هذا الشيء العجيب؟!.
-سعيد نظرته ضيقة وعلى المستوى الآسيوي فقط، أما أنت فتستحق أن توسع آفاقك لتشمل أقاصي العالم. ما أريده منك الآن أن تطلق تلك الأندونيسية التي جاء بها سعيد وتخبره أنك لست بحاجة لكفالته. وخلال شهر أعدك أن زوجتك نتاشا ستكون هنا، وستنام أنت في بيتك مرتاحاً وأنا سأقوم بكل مهماتك وعلى أتم وجه.
في الغد جاءني علي للمكتب ووجهه قد تغيّر، سألته عمّا يكدره فقال
-تصور.....تصور أن سعيد رفض أن أطلق الاندونيسية، وقال لي أني يجب أن أدفع له قيمة التذاكر والأثاث وإيجار الشقة للمدة الماضية، وأنا لا أملك أي مال.
-لا تقلق أخي علي، أنا سأعطيك المال وادفع له. وعلى كل حال نحن سنحتاج الشقة، زوجتك نتاشا ستصل بعد شهر على أكثر تقدير.
أتممنا إجراءات الترخيص من وزارة الداخلية، وبعثنا التأشيرة لنتاشا. وصلت نتاشا للمطار وكنّا في استقبالها أنا وعلي.
لم أكن أصدق نفسي أن نتاشا أخيراً هنا، وأيضاً حللت مشكلة علي وخلّصته من ذلك المحتال سعيد.
أوصلت علي لبيته وأخذت نتاشا للشقة، تركتها لترتاح من عناء الرحلة واتفقنا على اللقاء في الغد لنمضي وقتاً سعيداً.......ولم أكن حينها أعرف ما يخبئ لي الغد.
في الصباح، وبمجرد دخولي للمكتب جاءني اتصال من رقم هاتف غريب، وحين أجبت أخبرني أنه من مكتب المدعي العام وأن حضوري مطلوب بشكل فوري.
ذهبت لمكتب المدّعي العام وأنا كلّي عجب وتعجب مما قد يكون السبب من استدعائي. انتظرت لبضع دقائق حتى أدخلوني على ممثل الادعاء، وبكل برود أخذ يخبرني أن علي الذي أحضرت له زوجته البارحة قد اشتكى من أني أتعرض بالمضايقة لزوجته، وأني أيضاً أتردد بقرب شقته.
أسقط في يديّ، ولم تفلح محاولتي إخبار ممثل الادعاء أني أنا من يكفله في زواجه وأني أنا من أحضرت نتاشا، ولم يكن يقنعه إلا شيء واحد. إما التوقيع على تعهد بعدم الاتصال أو الاقتراب من علي وزوجته وشقتهما أو أن تأخذ القضية مسارها للمحكمة. وقعت التعهد مجبراً، وخرجت وأنا أردد المثل القائل "يا فاعل خير يا لاقي شر".
وتدور الأيام، وإذا بي ذات صباح أدخل لمكتب مدير دائرتنا لأجد علي بقربه وهو يسرّ له بشيء ما، وبعدها قال المدير لعلي "لا تقلق أخي علي، أنا سأتكفل بكل ما يطلبه سعيد.....اذهب أنت الآن وسنلتقي لاحقاً".
بالطبع فهمتم أي استغلال ينتظر المدير، لكنّي لم أكن أستطيع أن أفعل شيئاً، ويكفيني أن علي في كل مرة يستخدم حكاية سعيد ويستر على أسماء ضحاياه الحقيقيين، وأنا آخرهم.
علي......شاب عشريني، لطيف ووسيم، وحسن الهندام، حضوره يبعث البهجة في أي مجلس يحضره، وهو مرحب به دوماً في كل مكان، ويتسابق الجميع للكلام معه واستظهار ما تكنه نفسه من حكايات وأفكار تبعث الابتسامات والضحكات.
علي ليس مختل عقلياً.....أبداً.....إنما مستوى ذكاءه منخفض، ويتصرف بحسن نيّة أقل ما يقال عنها أنها ساذجة، كما أنّه تقريباً يصدّق معظم ما يقال له.
اعتدت أن ألتقي بعلي في أماكن كثيرة، عند الحلّاق مثلاً، فهو شديد الاهتمام بمظهره، ويتعمّد أن يدخل لمحل الحلاقة إن رأى أحداً يعرفه طمعاً في أن يدفع عنه أجرة الحلاقة. أحياناً يأتي للمكتب، وبأدب شديد يدّعي أنه بحاجة لأجرة التاكسي ليذهب للبيت، والجميع يعرف أنه ينفق المال على المشروبات الغازية والحلويات التي يعشقها بجنون.
المزحة المعتادة التي كنت أمزحها مع علي هي مزحة الزواج، كنت سألته مرّة......متى ستتزوج يا علي؟
وأجابني ببراءة وهو يتظاهر بأنه يسر لي بالكلام
-لو بودّي تزوجت اليوم، لكن كما تعرف ليس لدي مال، لو كان أبي أو أمي حيّان لكانا ساعداني......هذه حال من ليس له أحد.
-يمكنك أن تتزوج من الخارج يا علي، وستكون التكلفة قليلة.
-حاولت استخراج ترخيص للزواج من الخارج، لكن الجهات الحكومية اشترطت علي وجود كفيل يتعهد بإعالتي أنا وزوجتي، فأنا لا أعمل كما تعرف.
دارت الأيام، وجاءني مرّة علي للمكتب، جلس أمامي وهو يكاد لا يستطيع أن يستقر على الكرسي والابتسامات تتطاير منه مع أنفاسه. عندما خلا الجو لنا اقترب مني وأسر لي .....
-سالم.....لقد تزوجت.....تزوجت أخيراً.....والله العظيم تزوجت من فتاة اندونيسية، وهي جميلة جداً جداً.....
-ما شاء الله.....بالبركة. ومن تكفل لك أمام الجهات الرسمية بالنفقة، أخوك؟!.
-لا ليس أخي، إنه لا يعبأ بي أبداً، ولطالما حاول طردي من البيت الذي ورثناه عن أبي. ابن جيراننا سعيد هو من ساعدني ووقع ورقة الكفالة.
-وأين تسكن أنت وزوجتك الآن؟
-أنا مازلت أسكن في بيتنا القديم، أما زوجتي فقد استأجر لها سعيد شقّة جديدة ويقوم هو بكل احتياجاتها، وأحياناً يأخذني لزيارتها.
لعلكم فهمتم الآن كما فهمت أنا أي استغلال وقع على المسكين علي، أنا أصبت بالصدمة، ومع ذلك لم أستطع أن أشرح له الأمر. فكّرت كيف يمكنني أن أساعده وأنقذه من براث ذلك المحتال سعيد. في المساء مررت متعمداً بالحلاق القريب من بيتهم فوجدته عند الباب، تلطفت معه واشتريت له ما أراد من البقالة المجاورة وأخذته في جولة بالسيارة لأفاتحه بالموضوع
-علي.....أرجو أن تركّز معي، هذه الزوجة التي أتى بها لك سعيد لا تصلح لك.
-لا تصلح لي!!! لماذا؟ إنها طيبة معي، وحين يأخذني سعيد لزيارتها تعطيني خمسة ريالات......أنت الآن تقول مثل كلام أخي، لماذا كلكم تريدون أيذائي ومضايقتي؟.
-لا يا علي، أنا لا أريد مضايقتك، أنا فقط كنت أتمنى أن تتزوج بفتاة جميلة، هل تعرف يا علي أن الأوكرانيات مشهورات بالجمال!!!. أنا مستعد أن أدبر لك عروساً أوكرانية وأن أوقع لك على الكفالة، وأيضاً سأستأجر الشقة وأثثها، وسآخذك لزيارة نتاشا كل أسبوع........ما رأيك؟!.
-من هي نتاشا؟!
-إنها الفتاة الأوكرانية....زوجتك المستقبلية....انظر لصورتها في الهاتف، أترى كم هي جميلة؟!
-ووووووووو.....ووووو......ولماذا سعيد لم يأتِ لي بمثل هذا الشيء العجيب؟!.
-سعيد نظرته ضيقة وعلى المستوى الآسيوي فقط، أما أنت فتستحق أن توسع آفاقك لتشمل أقاصي العالم. ما أريده منك الآن أن تطلق تلك الأندونيسية التي جاء بها سعيد وتخبره أنك لست بحاجة لكفالته. وخلال شهر أعدك أن زوجتك نتاشا ستكون هنا، وستنام أنت في بيتك مرتاحاً وأنا سأقوم بكل مهماتك وعلى أتم وجه.
في الغد جاءني علي للمكتب ووجهه قد تغيّر، سألته عمّا يكدره فقال
-تصور.....تصور أن سعيد رفض أن أطلق الاندونيسية، وقال لي أني يجب أن أدفع له قيمة التذاكر والأثاث وإيجار الشقة للمدة الماضية، وأنا لا أملك أي مال.
-لا تقلق أخي علي، أنا سأعطيك المال وادفع له. وعلى كل حال نحن سنحتاج الشقة، زوجتك نتاشا ستصل بعد شهر على أكثر تقدير.
أتممنا إجراءات الترخيص من وزارة الداخلية، وبعثنا التأشيرة لنتاشا. وصلت نتاشا للمطار وكنّا في استقبالها أنا وعلي.
لم أكن أصدق نفسي أن نتاشا أخيراً هنا، وأيضاً حللت مشكلة علي وخلّصته من ذلك المحتال سعيد.
أوصلت علي لبيته وأخذت نتاشا للشقة، تركتها لترتاح من عناء الرحلة واتفقنا على اللقاء في الغد لنمضي وقتاً سعيداً.......ولم أكن حينها أعرف ما يخبئ لي الغد.
في الصباح، وبمجرد دخولي للمكتب جاءني اتصال من رقم هاتف غريب، وحين أجبت أخبرني أنه من مكتب المدعي العام وأن حضوري مطلوب بشكل فوري.
ذهبت لمكتب المدّعي العام وأنا كلّي عجب وتعجب مما قد يكون السبب من استدعائي. انتظرت لبضع دقائق حتى أدخلوني على ممثل الادعاء، وبكل برود أخذ يخبرني أن علي الذي أحضرت له زوجته البارحة قد اشتكى من أني أتعرض بالمضايقة لزوجته، وأني أيضاً أتردد بقرب شقته.
أسقط في يديّ، ولم تفلح محاولتي إخبار ممثل الادعاء أني أنا من يكفله في زواجه وأني أنا من أحضرت نتاشا، ولم يكن يقنعه إلا شيء واحد. إما التوقيع على تعهد بعدم الاتصال أو الاقتراب من علي وزوجته وشقتهما أو أن تأخذ القضية مسارها للمحكمة. وقعت التعهد مجبراً، وخرجت وأنا أردد المثل القائل "يا فاعل خير يا لاقي شر".
وتدور الأيام، وإذا بي ذات صباح أدخل لمكتب مدير دائرتنا لأجد علي بقربه وهو يسرّ له بشيء ما، وبعدها قال المدير لعلي "لا تقلق أخي علي، أنا سأتكفل بكل ما يطلبه سعيد.....اذهب أنت الآن وسنلتقي لاحقاً".
بالطبع فهمتم أي استغلال ينتظر المدير، لكنّي لم أكن أستطيع أن أفعل شيئاً، ويكفيني أن علي في كل مرة يستخدم حكاية سعيد ويستر على أسماء ضحاياه الحقيقيين، وأنا آخرهم.