الخميس، 19 سبتمبر 2013

الناس في الدنيا معادن

"الناس معادن".....هذه كانت آخر كلمة قالتها البارحة قبل أن تستأذن بإصرار لإنهاء المكالمة. تخيلتها تبتسم حينها ابتسامة غادرة، وكأن لسان قلبها يقول "لنرى كيف ستنام هذه الليلة".........تعرف بالضبط كيف ومتى تلقي بي في أعاصير الهواجس.

لا عليكم منها.....أمرها يهمنّي وحدي ولا يهمّ أحداً غيري. ما أردت التحدّث عنه هو هذه الاسستعارة الرائعة "الناس معادن"......فعلاً، الاستعارة تنطبق على الواقع المشاهد ولا يغيب ذلك عن عاقل.....لكن.....ماذا لو تزوّج رجل من ذهب بامرأة من ذهب؟!......هل سيلدان ولداً من ذهب؟!؟!؟.

الواقع يقول لا.....فقد يكون الولد من نحاس أو ألمنيوم أو أي معدن آخر.

مالذي يحكم المسألة؟!.........بالطبع قوانين الوراثة تفسّر الأمر، فكما أنّ الرجل الذي يبدو أنّه من ذهب ويحمل في جيناته النحاس والألمنيوم والحديد، فكذلك المرأة.

استطردت في التفكير......

بما أنه تم الكشف عن الخريطة الجينية البشرية قبل عدّة سنوات، وعرف مكان كل صفة، يمكننا تصنيع بروتين "دي ان اي" يحمل خريطة جينية ذهبية أو حديدة أو بلاتينية.......حسب الطلب. أذكركم أنّه قبل أسابيع ولدت أول طفلة لا تحمل في خريطتها الجينية جين سرطان الثدي. لقد تمّ هندسة خريطتها الوراثية وتم إزالة الجينة المسئولة عن ذلك النوع من السرطان.
دعونا لا نعقّد الأمر بالحديث عن الوراثة، ولنعد لاستعارتنا التي تبسط الأمر. خلاصة الكلام أننا نريد رجالاً ونساءً من ذهب، لا يتغيرون ولا يصدءون، قابلين للتشكيل على أي طراز. لكن المشكلة أننا لا نستطيع الاكتفاء بالذهب وحده.....فنحن بحاجة للحديد، وكذلك الألمنيوم، والنحاس، والنيكل.........والقائمة طويلة.

أنا متأكد أننا سنقع في مشكلة حقيقية، فإذا كانت الهندسة الوراثية للأبناء متاحة حسب الطلب فمن حق الجميع أن يختار ما يشاء، وربما الجميع سيرغب باختيار الذهب.....ثم ماذا؟!....هل سيستقيم الأمر على هذا النحو؟.......بالطبع لا. سيكون هناك نقص شديد في المعادن الأخرى، صحيح سيكون لدينا الكثير من الأناس "الرائعين" لكننا سنفتقد لأشخاص كانت تمثّلهم معادن أخرى. فعلى سبيل سنفتقد الحديد الضروري للأعمال الشاقة.

لا داعي للقلق. فحين يقل أفراد الحديد في المجتمع سيزيد الطلب عليهم، وبالتالي سنجد من الآباء من سيختار أن يولد له طفل من حديد بدل أن يكون من ذهب........إذن سنعتمد على آليات السوق التي ستحدد شكل السبيكة الاجتماعية المستقبلية. ومع تعاقب الأجيال ستصل بنا تلك الآليات الحاسمة للتوازن الضروري والقادر على التشكل والتلون حسب الحاجة......

هل ترون أنّي قد حللت المشكلة ؟!؟!؟!؟

لكن شيء ما جعلني أقفز من فراشي، وكأنه استحال حفرة من العقارب والأفاعي والعناكب السامّة........لو سار الأمر كما تخيّلته كيف ستوجد أنثى مثلها؟!......من ذا الذي سيخطر له عجن الذهب الرّطب مع الألماس السائل وخيوط الشمس ليخلق إمرأة !!!!!.

الحمد لله أنقذتني رنّة الهاتف من ذلك الكابوس......كانت هي المتصلة...
-صباح الخير.
-صباح النور يا نور العين.
-هل نمت البارحة؟
-وهل أصبح الصباح؟!؟!؟!؟.
-ههههههه.......يبدو أنّك لم تنم، بل ولم تشعر بالوقت، مسكين....بماذا كنت تفكَر.
-هل تصدّقين أنّي كنت أفكّر بالمعادن.....ثم تعجّبت كيف يمكن خلط الذهب الرطب بالألماس وبنور الشمس.
-بالطبع لا يمكن......هل أنت مجنون؟!.
-ولماذا حدث معكِ إذن؟!.
-حسناً.....حدث لمرّة واحدة فقط ولن يتكرر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق