ما سأقوله سيغضب الكثيرين، وأعتذر لهم مقدّماً.
نحن بحاجة لتغيير الخطاب الديني، بدءاً بمفرداته، مروراً بأساليبه، وانتهاءً بشخوصه......هذا إن أردنا لأنفسنا وأبناءنا الخير، وإلا فالله سبحانه وتعالى ودينه غنيّ عنّا.
أتمنّى هنا أن لا أخرج في ما أعنيه عن قوله عليه الصلاة والسلام "حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذّب الله ورسوله؟!".
ببساطة نحن بحاجة لرجل دين مثقّف غير معادٍ للتاريخ. يبدو كمثقّف، ويست...مع كمثقّف، ويفكّر ويتكلّم كمثقّف. رجل دين يكون متقدماً على العامة بخطوة واحدة على الأقل. وكل هذا في إطار الدين الواسع.
لا أعدّه عاقلا من لا يلاحظ الفجوة المتزايدة بين الخطاب الديني الصادر من علماء كبار أفنوا عمرهم في جمع العلم وبين الآذان الناشئة التي من المفترض أن تستفيد من ذلك الخطاب. وإن كان هناك من لم يلاحظ فما عليه إلا أن يجرب شيئاً أشهى للنفس من الخطاب، وليضع أمام أبناءه طعاماً تقليدياً وآخر من طعام الوجبات السريعة ولينظر لأي الطعامين ستمتدّ الأيدي.
عقول اليوم غير عقول الأمس، تفكّر بشكل مختلف، ودليل ذلك أنها تتكلم بشكل مختلف وتحب الاستماع لأشياء مختلفة، وتتعامل مع الزمان والمكان والأسباب بصورة مختلفة. صورة رجل الدين التقليدية بالنسبة لكثير من هذه العقول تسكن الماضي لأنها لا تتكلم إلا عن الماضي الذي تستمد منه شرعية الخطاب. وليس لها مكان إلا المسجد لأنها ليست فاعلة إلا فيه. وأن منطقها خارج منطق منظومة الأسباب العقلية المسيرة للعالم. حتى الهيئة الشخصية غالباً تجدها هذه العقول غريبة عن زمانها وحاضرها.
نحن أمام عقل بني نظامه الفكري في نظام التعليم العام الذي صمم خصيصاً ليخدم التنمية والاقتصاد، وتعلّم المعادلات الرياضية، والكيميائية، وأنّ الطاقة لا تفنى ولا تخلق من عدم، وأصبح يعرف أن نسبية آينشتاين تفسّر تماسك الكواكب والمجرّات......ببساطة هو عقل منطقي. لكن الدين ليس كذلك في الأساس، بل هو إيمان قلبي، وكما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه "لو كان الدين بالعقل لما كان مسح الخف من الأعلى".
أعتقد أن أكبر نجاح يمكن أن يحرزه رجل الدين هو أن يزرع العقيدة السليمة في القلب، وأسوأ ما يمكن أن يفعله بعد ذلك هو أن ينصب نفسه معلماً ويدعو الناس لتقليده. فحين تستقرّ العقيدة السليمة في القلب لا يهمّنا مع أي عقل نتعامل، أكان عقل راعي غنم أم عقل عالم فضاء، فالقلب يعرف بالتأكيد كيف يطوّع العقل. وأمّا حين ينصّب رجل الدين نفسه معلماً أو لا يحاول منع ذلك، فإنّه إنما ينسخ عقله لعقول الآخرين، وطبيعة العقل المنسوخ أنه معدي وثابت لا يتطوّر، ويظل مرتبطاً بالزمان الأصلي الذي وجد فيه مهما تبدّلت الأحوال وتعاقبت الأجيال، يرفض الحاضر والمستقبل ويحنّ للماضي........وهذا ما حدث بالفعل.
ليست الساحة خالية من رجال الدين العصريين، ويحضرني الآن مثال قوي وهو الشيخ سلمان العودة، ومن تتبع مسيرة هذا الشيخ يعرف كيف انتقل من صورة إلى صورة، ومن عصر إلى عصر. في بداية التسعينات سئل سلمان العودة عن حكم قيادة المرأة للسيارة، فكان جوابه أن قيادة المرأة للسيارة هي مؤامرة ضد المجتمع. وفي عام 2005م أجاب عن ذات السؤال بأن قيادة المرأة للسيارة شأن مدني تحدده القوانين المدنيّة.........شتّان بين العصرين